أمستردام – في عرض لافت للنظر بمهرجان “إدفا” السينمائي، أثار الفيلم اللبناني “هل تحبني” (Do You Love Me) للمخرجة لانا ضاهر ردود فعل قوية، مستكشفًا الذاكرة الجماعية للبنان من خلال أرشيف واسع من الصور والأصوات على مدار سبعة عقود. الفيلم، الذي يجمع بين اللقطات السينمائية القديمة، والبرامج التلفزيونية، والصور الشخصية، يقدم رحلة عاطفية عبر تاريخ لبنان المضطرب، ويعكس صمود شعبه وحنينه إلى الماضي.
يعرض الفيلم، الذي بدأ عرضه في مهرجان البندقية السينمائي، قصة وطن عالق بين الأمل واليأس، ويسلط الضوء على التحديات التي تواجه الهوية اللبنانية في ظل الصراعات والتحولات السياسية والاجتماعية. “هل تحبني” ليس مجرد عمل سينمائي، بل هو تأمل في معنى الوطن والانتماء، واستعراض لتأثير الزمن على الذاكرة والهوية.
“هل تحبني” ورحلة عبر الذاكرة اللبنانية
يعتمد الفيلم بشكل كبير على أرشيف واسع يضم أكثر من ألفي قطعة، مما يمنحه عمقًا تاريخيًا وثقافيًا فريدًا. هذا التجميع المكثف للمواد الأرشيفية يتيح للمشاهدين الغوص في أعماق الماضي اللبناني، واستكشاف تفاصيل الحياة اليومية والتحولات الكبرى التي شهدها البلاد. كما تبرز في الفيلم الموسيقى والأغاني اللبنانية التي تعتبر جزءًا لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية للشعب.
تصف المخرجة لانا ضاهر الفيلم بأنه “محاولة لمنح الذاكرة الجماعية جسدًا بصريًا ملموسًا”، مشيرةً إلى أن المشروع استغرق ثماني سنوات من البحث الدؤوب والتنقيح المضني. وقد واجهت ضاهر صعوبات كبيرة في اختيار المواد الأرشيفية المناسبة، حيث اضطرت إلى اتخاذ قرارات مؤلمة بشأن ما سيتم تضمينه وما سيتم استبعاده.
غياب السرد التاريخي الموحد
أحد الجوانب الأكثر إثارة للتفكير في الفيلم هو الكشف عن غياب سرد تاريخي موحد للبنان. كما ذكرت ضاهر، لا توجد كتب تاريخ رسمية موحدة في المناهج الدراسية اللبنانية، مما يجعل الذاكرة الجماعية مشظاة بين الطوائف والمناطق المختلفة. وهذا الغياب للسرد التاريخي الموحد يعكس حالة الانقسام السياسي والاجتماعي التي تعاني منها البلاد.
يعتمد اللبنانيون بشكل كبير على الذكريات الشخصية والروايات العائلية لفهم ماضيهم، وذلك في ظل تجاهل رسمي للتاريخ القريب. “هل تحبني” يشارك في هذه العملية من خلال تجميع هذه الشظايا المتناثرة، وتقديم تاريخ بصري جماعي يمكن للأجيال الجديدة أن تعود إليه.
بيروت في قلب الفيلم
بيروت ليست مجرد خلفية للأحداث في الفيلم، بل هي شخصية رئيسية بحد ذاتها. يقدم الفيلم بيروت من خلال عيون أهلها وأصواتهم، ويكشف عن التناقضات العميقة التي تعيشها المدينة. نرى صحفيًا يعود إلى منزله المدمر، وسائق أجرة يروي حكاية برج مهجور، ومرشدًا سياحيًا يصطحب زوارًا غربيين في جولة على معالم المدينة.
هذه القصص الصغيرة، اليومية، الشخصية، هي ما يمنح الفيلم قوته الإنسانية. الفيلم لا يتحدث عن الحروب كأحداث كبرى، بل عن تأثيرها المدمر على حياة الناس العاديين.
الأهمية الفنية والسياسية
فاز الفيلم بجائزة الفيلم السياسي من مؤسسة فريدريش إيبرت في مهرجان هامبورغ، حيث أشاد به كـ“فسيفساء من الذكريات” ترسم صورة شعرية لبيروت. هذا التقدير يعكس الأهمية السياسية والثقافية للفيلم، وقدرته على إثارة النقاش حول قضايا الهوية والانتماء والذاكرة.
يُعد عرض الفيلم في مهرجان “إدفا” فرصة مهمة لتقديمه لجمهور دولي واسع، ولتبادل الأفكار والخبرات مع صانعي الأفلام والباحثين من مختلف أنحاء العالم.
من المتوقع أن يستمر عرض “هل تحبني” في العديد من المهرجانات السينمائية الدولية خلال الأشهر القادمة. أما بالنسبة إلى التوزيع التجاري، فلا يزال من غير الواضح متى سيتم عرضه في دور السينما في لبنان والعالم العربي. يبقى الفيلم موضوعًا للنقاش والتحليل في الأوساط الثقافية والسينمائية، ويثير تساؤلات مهمة حول مستقبل الذاكرة والهوية في لبنان والعالم العربي.













