انتزعت المملكة العربية السعودية مكانة مرموقة في عالم الحوسبة الفائقة، حيث تم الاعتراف رسميًا بأن حاسوبها العملاق “شاهين 3″، المُستضاف في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا (كاوست)، هو الأقوى في منطقة الشرق الأوسط، والـ18 على مستوى العالم. يمثل هذا الإنجاز نقلة نوعية في قدرات البحث العلمي والتطوير التكنولوجي في المملكة، ويدعم طموحاتها في أن تصبح مركزًا إقليميًا وعالميًا للابتكار.
تم الإعلان عن هذا التصنيف المرموق خلال المؤتمر الدولي للحوسبة عالية الأداء والشبكات والتخزين والتحليل، والذي اختتم أعماله مؤخرًا. يُعد هذا التصنيف بمثابة اعتراف عالمي بقدرات المملكة المتنامية في مجال التكنولوجيا المتقدمة، ويؤكد التزامها بالاستثمار في البنية التحتية العلمية والبحثية.
“شاهين 3” وقوة الحوسبة الفائقة
الحواسيب الفائقة، أو “الحواسيب العملاقة”، هي أنظمة حوسبة متطورة تتميز بقدرة معالجة بيانات هائلة تتجاوز بكثير قدرات أجهزة الكمبيوتر الشخصية التقليدية. تُستخدم هذه الحواسيب لإجراء عمليات حسابية معقدة للغاية، ومحاكاة الظواهر الطبيعية، وتحليل كميات ضخمة من البيانات، مما يجعلها أداة أساسية في مجالات مثل الأبحاث العلمية، والتنبؤ بالطقس، وتطوير الأدوية، والذكاء الاصطناعي.
يتميز “شاهين 3” بقدرة حوسبة تصل إلى تريليونات العمليات في الثانية، مما يجعله قادرًا على التعامل مع المشكلات العلمية الأكثر تعقيدًا. ويعتمد الحاسوب على 2800 شريحة فائقة من شركة “إنفيديا”، بالإضافة إلى نظام تبريد مبتكر يعتمد على السائل لضمان استقرار الأداء وكفاءة التشغيل.
تطبيقات واسعة النطاق
من المتوقع أن يساهم “شاهين 3” في تطوير العديد من المجالات الحيوية في المملكة العربية السعودية. تشمل هذه المجالات الذكاء الاصطناعي، والنمذجة المناخية، واكتشاف الأدوية، وإدارة الموارد الطبيعية. كما سيساعد الحاسوب في تطوير نماذج لغوية متقدمة للغة العربية، مما يعزز قدرات معالجة اللغة الطبيعية والتواصل الرقمي.
بالإضافة إلى ذلك، سيتم استخدام “شاهين 3” لإنشاء “توأم رقمي” متكامل لشبه الجزيرة العربية، وهو نموذج محاكاة متطور يهدف إلى فهم ديناميكيات المناخ الإقليمي وتحسين إدارة الموارد المائية والزراعية. كما سيساهم في تطوير أدوات جديدة لتشخيص الأمراض النادرة وتحسين الرعاية الصحية.
نقلة نوعية في البحث العلمي
يعتبر “شاهين 3” بمثابة منصة بحثية متطورة ستتيح للباحثين في جامعة كاوست والمؤسسات البحثية الأخرى في المملكة إجراء أبحاث علمية متقدمة في مختلف المجالات. ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى اكتشافات علمية جديدة وحلول مبتكرة للتحديات التي تواجه المملكة والعالم.
صرح البروفيسور السير إدوارد بيرن، رئيس جامعة كاوست، بأن “شاهين 3” يضع المملكة العربية السعودية في طليعة الاكتشافات التي تقودها الحوسبة، مما سيمكن الباحثين من تقديم مساهمات علمية عالمية المستوى. وأضافت تريش دامكروجر، نائبة الرئيس الأول في شركة “هيوليت باكارد إنتربرايز”، أن الشركة فخورة بتقديم هندستها الرائدة لتمكين كاوست من تجاوز حدود العلوم والابتكار.
الذكاء الاصطناعي والتوائم الرقمية
يركز جزء كبير من الاستخدام المتوقع لـ “شاهين 3” على تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك نماذج لغوية عربية متقدمة. كما سيتم استخدامه لإنشاء توائم رقمية للمناخ والبيئة، مما يوفر رؤى قيمة حول التغيرات المناخية وإدارة الموارد الطبيعية. هذه التطبيقات تعتمد على قدرات الحوسبة الفائقة التي يوفرها “شاهين 3”.
تتوقع كاوست أن يساهم الحاسوب العملاق في تطوير مختبر كيمياء روبوتي آلي بالكامل، مما يسرع عملية اكتشاف المواد الجديدة وتحسين العمليات الكيميائية. كما سيتم استخدامه في أبحاث اضطراب طيف التوحد من خلال دمج الذكاء الاصطناعي مع تقنيات الاستشعار القابلة للارتداء.
من المتوقع أن تستمر جامعة كاوست في تطوير البنية التحتية للحوسبة الفائقة، وتوسيع نطاق تطبيقات “شاهين 3” في مختلف المجالات العلمية والتقنية. وستراقب الجهات المعنية عن كثب التقدم المحرز في هذا المجال، وتقييم تأثيره على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة العربية السعودية.













