أطلق المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، تحذيرًا عاجلاً بشأن تدهور منظومة حقوق الإنسان عالميًا، مشيرًا إلى أن الأزمات المالية المتفاقمة وتقليص الدعم المالي يهددان قدرة المجتمع الدولي على الاستجابة للانتهاكات. يأتي هذا التحذير في وقت تواجه فيه الأمم المتحدة ضغوطًا متزايدة على مواردها المالية، مما يثير مخاوف بشأن مستقبل حماية الحقوق الأساسية حول العالم.
جاءت تصريحات تورك خلال اجتماع لمنتدى الأمم المتحدة للأعمال وحقوق الإنسان في جنيف، حيث أكد أن مكتبه يواجه أزمة تمويلية حادة قد تؤدي إلى “انهيار” عملياته. وتواجه الأمم المتحدة ككل تحديات في تأمين الميزانية اللازمة لعام 2026، مع اقتراحات بخفض الإنفاق بنسبة 15% لمواجهة العجز المالي.
أزمة تمويل حقوق الإنسان وتداعياتها
وفقًا لتورك، فإن الانسحاب الأمريكي من تمويل الأمم المتحدة، خاصةً بعد عودة الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة، قد فاقم الوضع المالي. فقد تلقى مكتب حقوق الإنسان 73% فقط من المساهمات المتوقعة لعام 2025، مع وجود عجز يقدر بـ 67 مليون دولار نتيجة لتوقف التمويل الطوعي الأمريكي. هذا النقص في التمويل يؤثر بشكل مباشر على قدرة المكتب على تنفيذ مهامه الأساسية في مراقبة وتقصي الانتهاكات.
بالإضافة إلى ذلك، حذر المفوض السامي من أن تراجع بعض الدول عن التزاماتها القانونية المتعلقة باحترام الشركات لحقوق الإنسان يمثل تطورًا مقلقًا. وأشار إلى أن الانتهاكات المرتبطة بالقطاع الخاص آخذة في الازدياد في مناطق مختلفة من العالم، مما يتطلب تعزيز آليات المساءلة.
تحديات تواجه المدافعين عن حقوق الإنسان
كما أعرب تورك عن إدانته للهجمات المتزايدة التي تستهدف المدافعين عن حقوق الإنسان، الذين غالبًا ما يكشفون عن انتهاكات الشركات ويدفعون ثمن ذلك. وتشكل هذه الهجمات تهديدًا مباشرًا لحرية التعبير وحرية العمل للمدافعين، مما يعيق جهودهم في تعزيز العدالة وحماية الفئات الضعيفة.
تراجع برامج التنوع والمساواة
أشار تورك إلى ما وصفه بـ”المقاومة المتصاعدة” لبرامج التنوع والمساواة والإدماج (DEI) في العديد من البلدان. وأكد أن هذه البرامج، التي تعرضت لانتقادات واسعة في الولايات المتحدة خلال فترة ولاية ترامب، تهدف إلى معالجة التمييز “التاريخي والهيكلي”. ويرى أن التخلي عن هذه البرامج يمثل تراجعًا خطيرًا عن مبادئ المساواة والعدالة.
لمواجهة النقص في التمويل، دعا تورك إلى إيجاد حلول مبتكرة لدعم عمل مكتبه. واقترح إمكانية اعتماد مبادرات صرف الرواتب كأداة عملية يمكن للشركات استخدامها للمساهمة في حماية المؤسسات المعنية بالحقوق. كما كشف عن أن مكتبه يعمل على إطلاق تحالف عالمي لحقوق الإنسان يضم دولًا وشركات ومنظمات مجتمع مدني وفاعلي خير، بهدف إدماج حقوق الإنسان في صميم الحياة العامة والسياسية.
وتشير التقارير إلى أن التحديات المالية ليست الوحيدة التي تواجه منظومة حقوق الإنسان، بل هناك أيضًا تحديات سياسية وقانونية متزايدة. فقد شهدت العديد من الدول تراجعًا في التزامها بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، مع ظهور توجهات نحو تقييد الحريات الأساسية وتقويض استقلالية القضاء.
وفي سياق متصل، يواجه مفهوم العدالة الاجتماعية تحديات مماثلة، حيث يشهد تراجعًا في الدعم السياسي والمالي في العديد من البلدان. ويرى خبراء أن تعزيز العدالة الاجتماعية أمر ضروري لتحقيق حقوق الإنسان بشكل كامل، وأن التخلي عنها يهدد بتقويض الجهود المبذولة في هذا المجال.
الخطوات المستقبلية
أكد تورك أن العالم يواجه تحديات جسيمة تتطلب تعزيزًا للحقوق وليس تراجعًا عنها. وشدد على ضرورة تحرك جماعي للحفاظ على ما تبقى من منظومة حماية حقوق الإنسان قبل أن تصل إلى نقطة يصعب إصلاحها. من المتوقع أن يقدم مكتب المفوض السامي تقريرًا مفصلاً عن الوضع المالي والإنساني في بداية عام 2026، مع توصيات بشأن الخطوات اللازمة لمعالجة هذه التحديات. وستكون هذه التوصيات محور نقاش في الدورة القادمة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.













