شهد قطاع التمويل الإسلامي نمواً عالمياً قوياً، حيث اقتربت قيمة أصوله من 6 تريليونات دولار أمريكي في العام الماضي. هذا النمو، الذي كان متوقعاً في الأصل خلال العامين 2026 و2027، يعكس مرونة الأداء المتزايدة لهذا القطاع ومساهمته المتنامية في المنظومة المصرفية العالمية. وتوقع خبراء استمرار هذا الزخم خلال الفترة القادمة، مع توقعات بتوسع ملحوظ في مجالات الصكوك والتكنولوجيا المالية الإسلامية.
نتائج إيجابية وتوقعات مرتفعة لقطاع التمويل الإسلامي
أظهر قطاع الخدمات المالية الإسلامية زخماً ملحوظاً في عام 2024، حيث بلغ إجمالي أصوله على مستوى العالم 5.98 تريليونات دولار أمريكي، وفقًا لتقرير مؤشر تطور التمويل الإسلامي لعام 2025 الصادر عن المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص ومجموعة بورصة لندن. يمثل هذا نمواً سنوياً بنسبة 21% مقارنة بعام 2023، مما يدعم التوقعات بوصول قيمة الأصول إلى 9.7 تريليونات دولار أمريكي بحلول عام 2029، وذلك بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 10%.
وتتوقع وكالة ستاندرد آند بورز غلوبال (S&P Global) استمرار هذا النمو الإيجابي والمرونة في الأداء خلال العام المقبل، مع توقعات بتطور سوق الصكوك التي تجاوزت قيمتها تريليون دولار أمريكي للمرة الأولى في العام الماضي. ويعزى هذا النمو إلى الأداء القوي للقطاع المصرفي الإسلامي وقطاع الصكوك بنحو 11%.
تشير التقديرات أيضاً إلى إصدار ما يتراوح بين 10 مليارات و12 مليار دولار أمريكي من السندات المستدامة هذا العام، مما سيساهم في دفع النمو المستقبلي للقطاع. بالإضافة إلى ذلك، تتوقع الوكالة نموًا شاملاً للقطاع بنسبة 36% في الفترة بين عامي 2024 و2028، مع توقعات بنمو الصكوك القائمة بنسبة 54.5% والخدمات المصرفية الإسلامية بنسبة 30%.
ومن المتوقع أن يتجاوز قطاع التكنولوجيا المالية الإسلامية (FinTech) حاجز 300 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2027، مقارنة بـ 138 مليار دولار أمريكي في العام الماضي. ويعكس هذا النمو المتزايد الطلب على الحلول المالية الرقمية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.
الخليج يستحوذ على الحصة الأكبر من أصول التمويل الإسلامي
على الرغم من التوسع الملحوظ في صناعة التمويل الإسلامي في مناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك أوروبا وآسيا الوسطى وأفريقيا جنوب الصحراء، إلا أن دول الخليج العربي لا تزال تحتفظ بالحصة الأكبر من أصول التمويل الإسلامي العالمية. وتشير بيانات جمعية التكنولوجيا المالية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى أن هذه الدول تمتلك أكثر من 53% من الأصول.
تأتي منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ في المرتبة الثانية بنحو 22% من الأصول، بفضل الدور المحوري الذي تلعبه ماليزيا وإندونيسيا في تطوير هذا القطاع. بينما تحتل دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (باستثناء دول الخليج) المرتبة الثالثة بنسبة 17%.
ويعزو خبراء هذا التفوق إلى عدة عوامل، منها البنية التحتية المالية المتطورة في دول الخليج، والبيئة التنظيمية الداعمة للتمويل الإسلامي، والطلب المتزايد على المنتجات والخدمات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية في المنطقة. ويضاف إلى ذلك الدور الذي تلعبه رؤية المملكة العربية السعودية 2030 في تعزيز قطاع التمويل الإسلامي.
توزيع الأصول داخل قطاع التمويل الإسلامي
يواصل القطاع المصرفي الإسلامي احتلال الصدارة من حيث حصته في الأصول، حيث يمتلك 72% من إجمالي الأصول بقيمة تتجاوز 4.3 تريليونات دولار أمريكي. تأتي بعدها الصكوك الإسلامية بنسبة 17%، متجاوزة بذلك قيمتها تريليون دولار أمريكي. أما الصناديق الإسلامية فتمثل حوالي 5% من الأصول، بقيمة 308 مليارات دولار أمريكي.
بينما تشكل المؤسسات المالية الإسلامية الأخرى نسبة 3% من إجمالي الصناعة بقيمة 193 مليار دولار أمريكي. ويأتي قطاع التكافل (التأمين الإسلامي) في المرتبة الأخيرة بنسبة 2% وقيمة 136 مليار دولار أمريكي.
التحديات التي تواجه قطاع التمويل الإسلامي
على الرغم من النمو القوي والانتشار المتزايد، لا يزال قطاع التمويل الإسلامي يواجه بعض التحديات التي قد تعيق تطوره المستقبلي. من بين هذه التحديات إدارة السيولة، وتوحيد المعايير الشرعية والتنظيمية، وضعف عمق الأسواق المالية.
ويرى خبراء أن عدم وجود أدوات سيولة متوافقة مع الشريعة الإسلامية ذات جودة عالية وقصيرة الأجل يمثل عائقًا أمام نمو القطاع. بالإضافة إلى ذلك، فإن اختلاف المعايير بين الدول يؤدي إلى تباين في قبول العقود ويخلق حالة من عدم اليقين لدى المستثمرين.
كما أن ضعف عمق الأسواق المالية يعيق تطوير التداول الثانوي للصكوك، مما يتطلب تعزيز أدوات السيولة وتوسيع قاعدة المصدرين لتشمل الشركات الصغيرة والمتوسطة. إضافة إلى ذلك، هناك حاجة ماسة إلى تطوير الكفاءات وتعزيز الجاهزية التقنية لمواكبة ثورة التحول الرقمي في القطاع.
في الختام، يبدو مستقبل التمويل الإسلامي واعداً، مع توقعات باستمرار النمو والتوسع في السنوات القادمة. ومع ذلك، فإن معالجة التحديات القائمة وتطوير البنية التحتية القانونية والتنظيمية والمالية سيتطلب جهوداً متضافرة من جميع الأطراف المعنية. ومن المنتظر أن يصدر تقرير مفصل عن المؤشرات الرئيسية للقطاع في بداية العام القادم، وهو ما سيساعد في تحديد المسار المستقبلي للتمويل الإسلامي العالمي.












