كشف فريق بحثي دولي عن سرّ قدرة الحرباء على تحريك كل عين بشكل مستقل ثم توحيد الرؤية عند الانقضاض على الفريسة. وأظهرت صور مقطعية ثلاثية الأبعاد أن بنية الأعصاب البصرية لدى الحرباء فريدة من نوعها، مما يفسر زاوية الرؤية شبه الدائرية لهذه الكائنات وقدرتها على التنسيق السريع بين العينين. هذا الاكتشاف يلقي الضوء على آلية رؤية الحرباء المذهلة.
نُشرت الدراسة في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني في مجلة “ساينتفك ريبورتس”، وتوفر تفسيراً تشريحياً جديداً لهذه القدرة المميزة. وقد اعتمد الباحثون على تقنيات تصوير متطورة لتحليل بنية أعصاب العين لدى الحرباء، مما أدى إلى اكتشاف غير مسبوق.
نماذج دماغية دقيقة
يقول خوان دازا، المؤلف الرئيسي للدراسة وأستاذ العلوم البيولوجية في جامعة سام هيوستن ستيت، إن عيون الحرباء تعمل مثل كاميرات المراقبة، حيث تتحرك كل عين بشكل مستقل لفحص البيئة. وبمجرد تحديد الفريسة، تتناسق العينان لتحديد موقع الانقضاض بدقة. هذا التنسيق السريع يعتمد على بنية فريدة للأعصاب البصرية.
أوضح دازا أن الشكل المميز للأعصاب البصرية ظهر لأول مرة في عام 2017 أثناء فحص حرباء صغيرة، لكنه تطلب تأكيداً واسع النطاق قبل الإعلان عنه. استخدم الباحثون التصوير المقطعي بالأشعة السينية بدلاً من التشريح التقليدي لتجنب تشويه الأعصاب البصرية والحفاظ على تفاصيلها الدقيقة.
بالإضافة إلى ذلك، استعان الفريق بقاعدة بيانات “أوفيرت” المفتوحة التي توفر نماذج رقمية ثلاثية الأبعاد للهياكل الفقرية. قاموا بتحليل صور لأكثر من 30 نوعًا من السحالي والثعابين، وأنشأوا نماذج دماغية لـ 18 نوعًا، بما في ذلك ثلاثة أنواع من الحرباء.
بنية الأعصاب البصرية الفريدة
كشفت النتائج أن الأنواع الثلاثة من الحرباء لديها أعصاب بصرية أطول وأكثر التواءً مقارنة بغيرها من السحالي. يشير هذا إلى أن هذه البنية ليست مجرد حالة فردية، بل هي سمة عامة في هذه المجموعة من الكائنات. رؤية الحرباء تعتمد بشكل كبير على هذه البنية.
يوضح دازا أن العصب البصري يظهر مستقيماً في المراحل الجنينية الأولى، ثم يطول ويتحول إلى حلقات ملتفة قبل الفقس. هذا الالتفاف يمنح العصب مرونة إضافية تقلل الشد أثناء الحركة الواسعة للعين، على غرار سلك الهاتف الملفوف.
أبعد من حل لغز حركة العينين
يشير الباحثون إلى أن التفسير الوظيفي للاكتشاف يبدو منطقياً بالنظر إلى أسلوب حياة الحرباء. هذه السحالي محدودة الحركة في الرقبة، وتحتاج إلى مسح بصري واسع أثناء التربص على الأغصان. رؤية الحرباء تسمح لها بالصيد بفعالية.
يمنح الالتفاف في العصب البصري مجال دوران كبيراً للعين دون إجهاد، ويسمح بإدارة مهمتين في آن واحد: مراقبة البيئة بعينين مستقلتين، ثم توحيد الرؤية فوراً لحساب مسار اللسان القاذف بسرعة كبيرة. الرؤية لدى الحرباء هي مثال على التكيف التطوري.
يعتقد المؤلفون أن الأهمية العلمية لهذه النتائج تمتد إلى ما هو أبعد من فهم حركة العينين. وجود نظام عصبي فعال بهذا الشكل في دماغ صغير جداً يسلط الضوء على مسارات تكيفية متكررة لدى الكائنات التي تعتمد على التربص فوق الأشجار. الرؤية لدى الحيوانات المختلفة تتطلب حلولاً مبتكرة.
يبحث الفريق حالياً في أسئلة أخرى لتعميق البحث في هذا الموضوع، مثل ما إذا كانت سحالي شجرية أخرى تمتلك هياكل مشابهة، وما إذا كانت درجة التواء العصب تختلف باختلاف البيئة أو إستراتيجية الصيد. رؤية الحرباء قد تكون مفتاحاً لفهم تطور الرؤية لدى الزواحف.
يختتم دازا بالقول: “بعد قرون من الملاحظات، لا يزال للطبيعة ما تكشفه. من المثير أن نكون جزءاً من سلسلة طويلة لفهم ما يحدث بالفعل داخل عيون الحرباء”. ومن المتوقع أن يستمر الفريق في تحليل البيانات ونشر المزيد من النتائج في الأشهر القادمة.













