أشاد المسرحي التونسي أحمد الصويعي مصباح بمهرجان أيام قرطاج المسرحية في دورته الـ26، لكنه دعا إلى تعزيز المضمون في العروض المقدمة. وأعرب عن قلقه من تراجع قدرة المسرح العربي على التعبير بصدق عن الواقع المعيش، مشيراً إلى أن الجهود الفنية الغربية الداعمة للقضية الفلسطينية تفوق ما يقدمه الفنانون العرب أنفسهم. وانطلقت فعاليات المهرجان في 23 نوفمبر/تشرين الثاني وتستمر حتى 29 من الشهر نفسه.
يُقام المهرجان هذا العام تحت شعار “المسرح وعي وتغيير، المسرح نبض الشارع”، ويضم برنامجاً متنوعاً يشمل عروضاً مسابقة ورئيسية، بالإضافة إلى فعاليات موازية من دول مختلفة. تتضمن الدورة الحالية 12 عرضاً في المسابقة الرسمية، و15 عرضاً ضمن قسم “مسرح العالم”، و16 عرضاً تونسياً، و6 عروض عربية وأفريقية، و12 عرضاً للأطفال والشباب. كما يشارك في المهرجان وحدات سجنية ومراكز إصلاح من خلال 6 عروض للهواة و16 عرضاً في قسم “مسرح الحرية”.
المسرح العربي والبعد الاجتماعي
أكد مصباح، وهو مخرج ومؤلف مسرحي ومفتش للتربية المسرحية، أن المسرح لا يجب أن يقتصر على الترفيه، بل يجب أن يكون أداة للتغيير والتطبيق والعلاج. وأضاف أن المسرح تأسس تاريخياً على دوره الاجتماعي، وبالتالي فإن غياب هذا البعد يجعله شيئاً آخر غير المسرح. وشدد على أهمية أن يكون العمل المسرحي مرتبطاً بالواقع وقضايا المجتمع.
ويرى أن فكرة المسرح الاجتماعي المطروحة في هذه الدورة قد تكون محاولة لإعادة التأكيد على الهدف الأساسي للفعل المسرحي. وأوضح أن المسرح، حتى عندما يتناول قضايا سياسية، يظل عملاً اجتماعياً بالأساس، فالسياسة جزء من العمل الاجتماعي الأوسع.
أهمية المضمون في العروض
لكن مصباح استدرك قائلاً إن الأهم ليس فقط الشعار، بل مدى صدق الأعمال المسرحية والتزامها بمضمونها. وأشار إلى أن العديد من العروض الحالية تفتقر إلى الأصالة والارتباط بالواقع، وأنها غالباً ما تكون نسخاً من أعمال أجنبية. وأعرب عن أسفه لغياب الأعمال المسرحية التي تعكس قضايا وهموم المجتمع العربي.
نبض الشارع ومعاناة الشعوب
وفيما يتعلق بشعار “المسرح نبض الشارع”، تساءل مصباح عن قدرة المسرح العربي على مواكبة التحولات الاجتماعية والسياسية المتسارعة. وأشار إلى أن الشارع العربي اليوم يعيش حالة حراك وتفاعل مستمر، لكنه شكك في قدرة المسرح على تمثيل هذا الحراك بصدق وأمانة. وأعرب عن خيبة أمله من عدم وجود أعمال مسرحية مؤثرة في الدورات السابقة تعكس هذه الديناميكية.
وانتقد مصباح ضعف حضور قضايا الشعوب العربية في المهرجان، وخاصة القضية الفلسطينية. وأشار إلى أن العروض التي تتناول هذه القضايا غالباً ما تكون سطحية وغير مؤثرة، وأنها لا ترقى إلى مستوى التضحيات والمعاناة التي يعيشها الفلسطينيون والعرب. وأكد أن دعم القضية الفلسطينية يجب أن يكون هدفاً أساسياً للمسرح العربي.
دور الفنان في التعبير عن القضايا
وأوضح أن الفنان العربي يجب أن يتحلى بالشجاعة والمسؤولية للتعبير عن قضايا أمته، وأن لا يخضع لضغوط التمويل أو الأنظمة السياسية. وأشار إلى أن العديد من الفنانين العرب يفضلون الصمت أو التملق على النقد والمواجهة، مما يؤدي إلى تراجع دور المسرح في خدمة المجتمع.
وأكد مصباح أن “طوفان الأقصى” قد يكون نقطة تحول في الوعي الثقافي والفني العربي، وأنه قد يدفع الفنانين إلى تقديم أعمال أكثر جرأة وصدقاً. وأعرب عن تفاؤله بمستقبل المسرح العربي، مؤمناً بأن الأجيال الجديدة قادرة على تغيير الوضع القائم وتقديم أعمال تليق بتاريخ وأمجاد الأمة.
من المتوقع أن تعلن لجنة التحكيم عن الفائزين في المسابقة الرسمية في حفل ختام المهرجان يوم 29 نوفمبر. وستشكل نتائج المهرجان مؤشراً على اتجاهات المسرح العربي ومستوى التزام الفنانين بقضايا مجتمعاتهم. وينتظر المراقبون ما إذا كانت الدورة الحالية ستشهد تحولاً نحو أعمال أكثر واقعية وتأثيراً، أم أنها ستستمر في تقديم عروض تفتقر إلى الأصالة والعمق.













