شهدت الأزمة الأوكرانية تطورات ملحوظة اليوم، حيث أعلن صندوق النقد الدولي عن اتفاق جديد مع أوكرانيا بشأن حزمة مساعدات مالية كبيرة، بالتزامن مع إشارات من الكرملين حول وجود قناة دبلوماسية جادة مع الولايات المتحدة لمناقشة حل الصراع. وتأتي هذه التطورات في ظل استمرار الاشتباكات والقصف المتبادل بين الطرفين، مما يجعل مستقبل الأزمة وسبل إنهائها محل اهتمام دولي متزايد.
تتركز الجهود الدبلوماسية الحالية على استكشاف إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام شامل، مع تباين المواقف بين الأطراف المعنية. وتستعد موسكو لاستقبال المبعوث الأمريكي الخاص بأوكرانيا، ستيفن ويتكوف، في الأسبوع المقبل، في زيارة تعتبر فرصة لتقييم مدى جدية المساعي الأمريكية في إيجاد حل للأزمة.
اتفاق صندوق النقد الدولي وأوكرانيا: دعم اقتصادي جديد
أعلن صندوق النقد الدولي التوصل إلى اتفاق مع الحكومة الأوكرانية بشأن برنامج تمويل جديد بقيمة 8.2 مليار دولار على مدى أربعة أعوام. ويهدف هذا البرنامج إلى دعم الاستقرار الاقتصادي في أوكرانيا وتسهيل تنفيذ إصلاحات هيكلية واقتصادية كلية. ووفقًا لبيان صادر عن الصندوق، فإن هذا التمويل سيساعد أوكرانيا في تلبية احتياجاتها المالية الملحة وتعزيز قدرتها على الصمود في وجه التحديات الاقتصادية.
يأتي هذا الاتفاق ليحل محل برنامج تمويل سابق بقيمة 15 مليار دولار تم إقراره في مارس 2023، ضمن حزمة دعم دولية أكبر لأوكرانيا. ويعكس هذا الدعم المستمر التزام المجتمع الدولي بمساندة أوكرانيا في مواجهة الصراع الروسي المستمر.
موسكو ترحب بـ “مسار جدي” دبلوماسيًا مع واشنطن بشأن أوكرانيا
أعرب الكرملين عن ترحيبه بالمناقشات الجارية مع الولايات المتحدة بشأن مستقبل الأزمة الأوكرانية، واصفاً إياها بأنها تمثل “مسارًا جديًا”. ومع ذلك، حذر المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، من أن الحديث عن نتائج ملموسة في هذه المرحلة لا يزال سابقًا لأوانه. وأكد بيسكوف أن موسكو كانت على علم بالخطة الأمريكية الأصلية المكونة من 28 بندًا، والتي اعتبرت في البداية “مواتية” لروسيا، قبل أن يتم تقديم نسخة معدلة من قبل كييف.
تباين في المواقف حول الخطة الأمريكية المعدّلة
أشار المستشار الدبلوماسي في الكرملين، يوري أوشاكوف، إلى أن بعض جوانب الخطة الأمريكية المعدّلة يمكن اعتبارها “إيجابية”، بينما تتطلب جوانب أخرى “نقاشًا إضافيًا”. وذكر أن موسكو لم تتلق تفاصيل الخطة من أي طرف، معتبراً أن أي تدخل أوروبي في هذا المسار غير مجد. وتشير التقارير إلى أن النسخة المعدلة تتضمن السماح لأوكرانيا بالاحتفاظ بقوات عسكرية أكبر، تصل إلى 800 ألف جندي، مقارنة بـ 600 ألف في النسخة الأصلية.
المحادثات الأمريكية والأوكرانية وتطورات الخطة المقترحة
عُقد اجتماع في جنيف الأحد الماضي جمع بين وفود أمريكية وأوكرانية لمناقشة مقترحات بديلة للخطة الأمريكية الأولية. وتضمنت هذه الخطة تنازلات إقليمية محتملة، وتخلّي أوكرانيا عن طموحاتها في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وخفض حجم قواتها المسلحة. وتقدمت بعض الدول الأوروبية بمقترح بديل يرفض هذه المطالب الروسية الرئيسية، لكن الكرملين وصفه بأنه غير بناء.
زيارة ويتكوف المرتقبة إلى موسكو
أكد أوشاكوف أن هناك “اتفاقًا مبدئيًا” بشأن زيارة المبعوث الأمريكي ستيفن ويتكوف إلى موسكو الأسبوع المقبل، وأن الزيارة ستشمل لقاءات مع مسؤولين روسيين معنيين بالملف الأوكراني. وذكر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أن ويتكوف سيلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمناقشة خطة إنهاء الحرب، مع إمكانية مشاركة جاريد كوشنر في هذه المحادثات.
موقف كييف من التسوية المحتملة
عبّر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن تفاؤله الحذر بشأن الخطة الأمريكية المعدلة، موضحًا أن “مبادئها” قد تفتح الباب أمام “اتفاقات أعمق”. وأشار إلى أن نجاح هذه المساعي يعتمد إلى حد كبير على موقف الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، انتقد زيلينسكي استمرار القصف الروسي على بلاده تزامنًا مع محادثات السلام، ووصفه بأنه “استهتار” بالجهود الدبلوماسية.
تصعيد القصف الروسي على المدن الأوكرانية
في ظل هذه التطورات، استمرت الهجمات الروسية على المدن الأوكرانية. وأفادت السلطات الأوكرانية أن مدينة زابوريجيا تعرضت لقصف “كبير” أدى إلى تضرر حوالي 30 مبنى وإصابة ما لا يقل عن 19 مدنيًا. كما قتل سبعة أشخاص على الأقل في هجوم استهدف العاصمة كييف في اليوم السابق. وتواجه القوات الأوكرانية صعوبات متزايدة في منطقة دونباس، حيث تسعى روسيا إلى تحقيق مكاسب استراتيجية.
موقف أوروبا من جهود التسوية
دعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين إلى تحقيق سلام “عادل ودائم” في أوكرانيا، وأكدت استمرار دعم أوروبا للبلاد. من جانبه، أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن أسفه لغياب “إرادة لدى روسيا لوقف إطلاق النار”. وتسعى أوروبا إلى تعزيز دورها في عملية البحث عن حل للأزمة بعد الكشف عن الخطة الأمريكية التي تم وضعها من دون مشاركتها.
من المتوقع أن تستمر المحادثات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وروسيا في الأيام المقبلة، مع التركيز على إيجاد نقاط التقاء حول مستقبل أوكرانيا. ومع ذلك، لا تزال العقبات كبيرة، وتشمل الخلافات حول الوضع الإقليمي، ومسألة الانضمام إلى الناتو، وضمانات أمنية مستقبلية. سيراقب المجتمع الدولي عن كثب زيارة ويتكوف المرتقبة إلى موسكو، وموقف الأطراف المعنية من الخطة الأمريكية المعدّلة، لتقييم فرص التوصل إلى حل سياسي للأزمة الأوكرانية.













