أثار تصريح الدكتور عبدالله العمري، رئيس الجمعية السعودية لعلوم الأرض، حول النشاط البركاني في منطقة المدينة المنورة اهتمامًا واسعًا. وأكد العمري أن ثورانًا بركانيًا قديمًا غطى مساحة 17 كيلومترًا مربعًا بعمق 9 كيلومترات، وأن مصدر الصهارة يقع على أعماق مماثلة لتلك التي شهدها بركان إثيوبيا مؤخرًا، ما بين 4 إلى 5 كيلومترات. هذا التصريح يعيد إلى الواجهة النقاش حول المخاطر الجيولوجية المحتملة في المملكة العربية السعودية.
جاءت تصريحات العمري خلال استضافته في برنامج “ياهلا” على قناة “روتانا خليجية”. وأشار إلى أن “حَرّة خيبر” في المدينة المنورة تُعدّ المنطقة الأكثر احتمالًا لحدوث أي نشاط بركاني مستقبلي داخل المملكة، مما يستدعي المزيد من الدراسات والمراقبة.
النشاط البركاني في المدينة المنورة: تقييم المخاطر
تعتبر منطقة المدينة المنورة جزءًا من حزام بركاني نشط يمتد عبر غرب المملكة العربية السعودية. وتشمل هذه المنطقة ثلاث حَرّات رئيسية، أبرزها “حَرّة رهط” التي تمتد من جنوب المدينة المنورة وصولًا إلى شمال مكة المكرمة. وتضم هذه الحَرّة ما لا يقل عن 700 فُوَّهة بركانية، مما يدل على تاريخ طويل من النشاط البركاني في المنطقة.
تاريخ الثورات البركانية
وفقًا للدكتور العمري، فإن الثورات البركانية السابقة في المنطقة لم تكن عنيفة بشكل كبير، بل كانت عبارة عن تدفقات صهارية وبازلتية. ومع ذلك، فإن وجود هذا العدد الكبير من الفوهات البركانية يشير إلى إمكانية تكرار هذه الثورات في المستقبل. تُظهر الدراسات الجيولوجية أن آخر ثوران بركاني كبير في المنطقة يعود إلى حوالي 1200 عام مضت.
الهزات الأرضية وعلاقتها بالنشاط البركاني
أكد العمري أن أي نشاط بركاني محتمل يسبقه عادةً سلسلة من الهزات الأرضية، ولكنها ليست بالضرورة زلازل كبيرة. وأوضح أن ما حدث في إثيوبيا كان عبارة عن سلسلة من الزلازل والهزات الاستباقية التي سبقت الثوران البركاني الأخير. وهذا يعزز أهمية شبكات المراقبة الزلزالية في الكشف المبكر عن أي علامات تدل على النشاط البركاني.
يرى الخبراء أن الزلازل والهزات الأرضية تغير الضغط داخل الغرف الصهارية تحت الأرض، مما قد يؤدي في النهاية إلى ثوران بركاني. ولكن، من المهم الإشارة إلى أن الهزات الأرضية لا تؤدي دائمًا إلى ثوران، فقد تكون ناتجة عن عوامل أخرى مثل حركة الصفائح التكتونية أو التعديلات الإجهادية في القشرة الأرضية.
في المقابل، استبعد الدكتور العمري بشدة أي علاقة بين بناء سد النهضة في إثيوبيا وبين الثوران البركاني الذي شهدته البلاد. وأشار إلى أن المسافة بين السد وموقع البركان، بالإضافة إلى الاختلاف الكبير في العمق الجيولوجي، يجعل هذا الادعاء غير منطقي وغير علمي. وأكد أن الأسباب الرئيسية للنشاط البركاني تكمن في العمليات الجيولوجية الداخلية للأرض.
تعتبر الدراسات الجيولوجية والتحاليل الكيميائية للصخور البركانية أدوات أساسية لفهم طبيعة النشاط البركاني في منطقة المدينة المنورة. وتساعد هذه الدراسات في تحديد أنواع الصخور البركانية، وتاريخ الثورات، ومستوى المخاطر المحتملة. بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد، مثل الأقمار الصناعية، يمكن أن يوفر معلومات قيمة حول التغيرات في سطح الأرض التي قد تشير إلى نشاط بركاني.
تتزايد أهمية دراسة النشاط البركاني في المملكة العربية السعودية في ضوء التغيرات المناخية والظروف الجيولوجية المتغيرة. وتعتبر منطقة المدينة المنورة من المناطق ذات الأولوية القصوى للمراقبة والدراسة، نظرًا لتاريخها الطويل من النشاط البركاني وكثافتها السكانية العالية.
تتجه الجهات المعنية في المملكة إلى تطوير خطط للطوارئ والاستعداد للتعامل مع أي طارئ بركاني محتمل. وتشمل هذه الخطط إجلاء السكان من المناطق المعرضة للخطر، وتوفير المأوى والإمدادات اللازمة، وتوعية الجمهور بالمخاطر المحتملة وكيفية التصرف في حالات الطوارئ. وتشمل أيضًا تعزيز شبكات المراقبة الزلزالية والبركانية لضمان الكشف المبكر عن أي علامات تدل على النشاط البركاني.
من المتوقع أن تعقد الجمعية السعودية لعلوم الأرض ووزارة البيئة والمياه والزراعة اجتماعًا مشتركًا في الأشهر القليلة القادمة لمناقشة نتائج الدراسات الجيولوجية وتقييم المخاطر البركانية في منطقة المدينة المنورة. وستركز المناقشات على تطوير استراتيجية شاملة لإدارة المخاطر البركانية وحماية السكان والممتلكات. ومع ذلك، لا يزال من غير المؤكد متى قد يحدث ثوران بركاني جديد في المنطقة، وما مدى تأثيره المحتمل.













