في ظل علاقات مضطربة تاريخياً بين باكستان وأفغانستان، يشهد التبادل التجاري بينهما تدهوراً متزايداً بسبب التوترات السياسية والأمنية الأخيرة. وقد تصاعدت هذه المشاكل بشكل ملحوظ في الأسابيع الأخيرة، مما أدى إلى إغلاق المعابر الحدودية وتعطيل حركة البضائع، وهو ما يهدد التجارة الباكستانية الأفغانية بتداعيات وخيمة على كلا الجانبين.
أحداث الشهر الماضي، والتي شهدت اشتباكات مسلحة على الحدود، وتوقف جهود الوساطة القطرية التركية، أدت إلى تحول جذري في السياسات التجارية الأفغانية، حيث دعت كابل إلى إيجاد طرق بديلة للتجارة، وتقليل الاعتماد على باكستان. هذا التطور يأتي في وقت تعاني فيه أفغانستان من تحديات اقتصادية كبيرة، وتعتمد بشكل كبير على التجارة مع جيرانها.
تحول جذري في التجارة الأفغانية واستراتيجيات جديدة
أعلنت أفغانستان عن عزمها البحث عن بدائل تجارية لباكستان، وذلك بعد فشل الجولة الثالثة من المحادثات في إسطنبول في تحقيق أي تقدم ملموس. ويتضمن هذا التحول التركيز على ميناء تشابهار الإيراني، الذي تدعمه الهند، كطريق رئيسي لعمليات الاستيراد والتصدير. أعلن نائب رئيس الوزراء الأفغاني للشؤون الاقتصادية، الملا عبد الغني برادر، أن الحكومة الأفغانية لن تتعاون مع التجار الذين يستمرون في التعامل التجاري مع باكستان.
بالإضافة إلى ذلك، انتقد المسؤول الأفغاني جودة الأدوية المستوردة من باكستان، وأصدر مهلة مدتها ثلاثة أشهر للمستوردين لإنهاء معاملاتهم التجارية مع الشركات الباكستانية. ويعكس هذا القرار تصاعداً في المشاعر المعادية لباكستان، ورغبة في تنويع شراكات أفغانستان التجارية.
إغلاق المعابر الحدودية وتأثيرها على كلا البلدين
في نهاية أكتوبر، أعلنت وزارة الخارجية الباكستانية إغلاق جميع المعابر الحدودية مع أفغانستان، مشيرة إلى اعتبارات أمنية كسبب رئيسي لهذا القرار. وأكد السفير طاهر حسين أندرابي، المتحدث باسم الوزارة، أن إعادة فتح المعابر لن تتم إلا بعد اتخاذ الحكومة الأفغانية إجراءات فعالة ضد الجماعات التي تنفذ هجمات على باكستان من الأراضي الأفغانية.
هذا الإغلاق أثر بشكل كبير على التجارة بين البلدين، وأدى إلى تراكم البضائع على الحدود، وتعرض العديد من الشركات لخسائر فادحة. ووفقاً لمجلس الأعمال الباكستاني، تمثل التجارة مع أفغانستان حوالي 20% من صادرات باكستان من الأغذية والأدوية، وهو ما يعادل 3-5% من إجمالي صادرات البلاد التي تقدر بـ 30-40 مليار دولار.
التبادلات التجارية المتقلبة بين البلدين
تاريخياً، كانت باكستان أكبر شريك تجاري لأفغانستان، حيث تستحوذ على حصة كبيرة من صادراتها ووارداتها. لكن هذا الوضع بدأ في التغير مع تصاعد التوترات السياسية والأمنية. تشير البيانات إلى أن صادرات باكستان إلى أفغانستان ارتفعت بنسبة 7.55% سنوياً بين عامي 2020 و 2024، لتصل إلى 1.14 مليار دولار في عام 2024.
في المقابل، شهدت واردات باكستان من أفغانستان تقلبات كبيرة، حيث ارتفعت إلى 880.07 مليون دولار في عام 2023، ثم انخفضت بشكل حاد إلى 566.44 مليون دولار في العام الماضي. وتعزى هذه التقلبات إلى عدم الاستقرار السياسي والأمني في أفغانستان.
التداعيات الاقتصادية المحتملة
يقول الخبراء إن إغلاق المعابر الحدودية قد يؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة لكلا البلدين، خاصة للشركات الصغيرة والمتوسطة والمناطق الحدودية. يتوقع البعض أن يؤدي ذلك إلى انخفاض في الإنتاج الصناعي، واضطرابات في سلاسل التوريد، وتراجع في النمو الاقتصادي بنسبة 3-5% في القطاعات المتضررة.
كما أن هناك مخاوف بشأن فقدان الوظائف، وتأثير ذلك على مستوى المعيشة في المناطق الحدودية. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي ذلك إلى زيادة الاعتماد على التجارة مع دول أخرى، مما قد يؤثر على الموقع الاستراتيجي لباكستان وأفغانستان.
الإجراءات الممكنة والحلول المقترحة
بالنسبة لباكستان، يرى المحللون أنه من الضروري تنويع أسواق التصدير، والتركيز على أسواق جديدة في الشرق الأوسط، وأفريقيا، وآسيا الوسطى. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للحكومة تقديم حوافز للشركات لتطوير صناعات جديدة، وزيادة القدرة التنافسية للمنتجات الباكستانية.
على الصعيد الدبلوماسي، من المهم استئناف الحوار مع الحكومة الأفغانية، والعمل على حل الخلافات السياسية والأمنية من خلال التفاوض. كما يمكن لباكستان التعاون مع دول أخرى في المنطقة، مثل إيران والصين، للعب دور الوساطة بين الطرفين.
الوضع الحالي يتطلب مراقبة دقيقة ومتابعة مستمرة، حيث أن أي تصعيد إضافي قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، وزيادة التوترات السياسية. من المتوقع أن تشهد الأيام القادمة جهوداً دبلوماسية مكثفة لإعادة فتح المعابر الحدودية، واستئناف التجارة بين البلدين. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من الشكوك حول إمكانية تحقيق هذا الهدف قريباً، نظراً لتعقيد الوضع السياسي والأمني.













