رصد فريق بحثي دولي أدلة كيميائية تشير إلى وجود حياة مبكرة محفوظة في صخور يعود عمرها إلى 3.3 مليار سنة، مما يغير فهمنا لتطور الحياة على الأرض. هذه النتائج، التي نشرت في مجلة “بي إن إيه إس” في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، تشير إلى أن عمليات التمثيل الضوئي المنتج للأكسجين بدأت قبل 2.52 مليار سنة على الأقل، وهو تاريخ أقدم بكثير مما كان يعتقد سابقًا.
جمع الباحثون أكثر من 400 عينة متنوعة، بما في ذلك رواسب قديمة جدًا، وفحم، وخشب، وصخور عضوية متحجرة، ونباتات وحيوانات معاصرة، بالإضافة إلى فطريات ومواد عضوية محضرة مخبرياً، ونيزك كربوني. أتاح هذا التنوع بناء قاعدة بيانات مرجعية شاملة للتمييز بين المواد ذات الأصل الحيوي وتلك غير الحية.
نموذج تعلم آلي يكشف أسرار الحياة القديمة
استخدم الفريق تقنية متطورة تعتمد على نموذج تعلم آلي لتحليل التركيب الكيميائي للعينات. تم تحرير شظايا كيميائية دقيقة من كل عينة من خلال التفكيك الحراري، ثم قياس طيف الكتلة، وتحليلها باستخدام كروماتوغرافيا غازية. لم يركز النموذج على البحث عن جزيء واحد محدد، بل على تحديد أنماط متكررة من الإشارات المرتبطة عادة بالأنظمة الحية.
وفقًا للمؤلف الرئيسي للدراسة، روبرت هازن من مختبر الجيوفيزياء التابع لمؤسسة كارنيجي وجامعة جورج ماسون، فإن دقة التصنيف بين الأصل الحيوي وغير الحيوي تجاوزت 90%، ووصلت إلى 98% في اختبارات على عينات ذات مصدر معروف. الأهم من ذلك، أن العلامات المرتبطة بالحياة ظهرت في صخور أقدم بكثير من السجل الجزيئي التقليدي.
تاريخ الأكسجين وتطور التمثيل الضوئي
أظهر التحليل الكيميائي توقيعًا يعود إلى 2.52 مليار سنة على الأقل لعمليات التمثيل الضوئي التي تنتج الأكسجين. يؤكد هازن أن الفريق لم يبحث عن جزيء واحد، بل عن أنماط، مشيرًا إلى أن الحياة لا تترك حفريات فحسب، بل تترك أيضًا أصداء كيميائية يمكن قراءتها بثقة باستخدام التعلم الآلي.
أظهرت العينات الحديثة إشارات قوية، بينما أظهرت العينات التي تعود إلى الفترة بين 500 مليون و2.5 مليار سنة مؤشرات حياة في حوالي ثلثي الحالات. بعد هذا الحد الزمني، انخفضت الإشارات إلى حوالي 47%، وهو ما يتماشى مع التغيرات الحرارية والضغطية التي تحدث للصخور القديمة.
المنطق البيولوجي وراء النموذج
يعتمد النموذج على حقيقة أن الأنظمة الحية تنتج مجموعات محدودة من الجزيئات بكثافة لأنها تخدم وظائف محددة، على عكس الخلطات العشوائية الموجودة في المواد غير الحية. حتى بعد تكسر الجزيئات الأصلية، يظل توزيع الشظايا محتفظًا بإشارة وظيفية يمكن اكتشافها إحصائيًا.
أظهر النموذج قدرة على التمييز بين الأصل النباتي والحيواني بدقة 95% في العينات المعاصرة، على الرغم من وجود صعوبات أكبر في التعامل مع السجل القديم بسبب قلة أحافير الحيوانات في بيانات التدريب. هذا يمثل تحديًا مستقبليًا لتحسين دقة النموذج.
لا يقتصر تأثير هذه الدراسة على تحديد تاريخ ظهور الحياة، بل يوضح أيضًا كيف ارتفع مستوى الأكسجين في الغلاف الجوي، وهو حدث مكن من تطور الحياة المعقدة، بما في ذلك البشر. يؤكد هازن أن هذه التواقيع الطيفية كانت قيد الدراسة لعقود، لكن الذكاء الاصطناعي قدم عدسة جديدة لاستخراج معلومات ظلت مخفية.
يؤكد الفريق أن هذه الطريقة تكمل الأدوات الراسخة مثل نسب النظائر ودراسة الحفريات، مع الاعتراف بأن بعض العينات لا تزال في منطقة رمادية لا تسمح باستنتاجات قاطعة. التحليل الكيميائي يقدم رؤى جديدة، ولكنه لا يحل محل الأساليب التقليدية.
يدعو الباحثون إلى توسيع قاعدة التدريب بعينات أكثر توازناً، خاصة الأحافير الحيوانية والمواد غير الحيوية المتنوعة، واختبار خوارزميات إضافية، وتجربة النهج على صخور من بيئات قاحلة تشبه المريخ. من المتوقع أن يتم نشر نتائج هذه الدراسات الإضافية بحلول نهاية عام 2026.
في الختام، تقدم هذه الدراسة نهجًا مبتكرًا لفهم أصول الحياة على الأرض، مع إمكانية تطبيقها على البحث عن الحياة خارج كوكبنا. لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتأكيد هذه النتائج وتوسيع نطاقها، ولكنها تمثل خطوة مهمة في فهم تاريخ كوكبنا.













