حذر خبراء الصحة النفسية في بريطانيا من المخاطر المتزايدة للاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الحصول على الدعم النفسي، وذلك في ظل الانتشار الواسع لروبوتات الدردشة الرقمية. ويؤكد المتخصصون أن هذه الأدوات، على الرغم من فائدتها في بعض المهام اليومية، لا تملك القدرة على فهم العواطف الإنسانية أو تقديم تشخيص دقيق، مما يجعل استخدامها كبديل للعلاج النفسي أمراً خطيراً.
بات الذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية، حيث يلجأ إليه الأفراد للحصول على النصائح في مختلف المجالات، بما في ذلك التخطيط الشخصي والمهني وحتى الاستشارات الصحية الأولية. ومع ذلك، أثار هذا الاستخدام الواسع مخاوف بشأن دقة المعلومات المقدمة، خاصة بعد ورود تقارير عن حالات أفراد تدهورت حالتهم النفسية، بل وصل الأمر إلى الانتحار، بعد تلقيهم نصائح من روبوتات الدردشة بدلاً من متخصصين.
مخاطر الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الصحة النفسية
أوضح خبراء تحدثوا لـ “الأناضول” أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تفاقم حالات الاكتئاب والقلق، خاصة عندما تكون المعلومات المقدمة غير دقيقة أو عامة ولا تأخذ في الاعتبار الظروف الشخصية للمريض. وأشاروا إلى أن التعامل مع الأزمات النفسية يتطلب تفاعلاً إنسانياً وفهماً عميقاً للمشاعر، وهو ما لا تستطيع الخوارزميات توفيره.
الخبير النفسي العصبي ألب تكين أيدين، من عيادة في شمال لندن، أكد أنه يستخدم الذكاء الاصطناعي في عمله الاحترافي ضمن نظام مغلق مخصص للمتخصصين، لكنه شدد على وجود فجوة كبيرة بين هذه الأنظمة الاحترافية وتلك المتاحة للجمهور. وأضاف: “الذكاء الاصطناعي يشبه البئر بلا قاع، فإذا تم تدريبه على مجال محدد، يمكنه تقديم إجابات جيدة، ولكن روبوت الدردشة العام لا يعرف من أنت ولا تاريخك ولا الظروف التي مررت بها، لذلك تكون إجاباته عامة وقد تكون مضللة أو حتى خطيرة.”
تأثير الذكاء الاصطناعي على المراهقين
يرى الخبراء أن المراهقين هم الأكثر عرضة للخطر، حيث قد يميلون إلى قبول إجابات الذكاء الاصطناعي على أنها صحيحة تماماً دون التفكير النقدي أو البحث عن مصادر أخرى للمعلومات. وأشار أيدين إلى أن العديد من المرضى يصلون إلى عيادته بعد أن يكونوا قد استشاروا روبوتات الدردشة حول الأدوية والجرعات والمشكلات النفسية المعقدة، وهو ما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة.
وأضاف أن الذكاء الاصطناعي لا يستطيع بناء صورة شاملة عن المريض كما يفعل المعالج البشري، الذي يستمع إلى الخلفيات العائلية والاجتماعية والطبية ويطرح الأسئلة بشكل تدريجي قبل تقديم أي توجيه. هذا النقص في الفهم الشامل يمكن أن يؤدي إلى تقديم نصائح غير مناسبة أو حتى ضارة.
نصائح مضللة وتأثيرها على الصحة النفسية
أجرى أيدين تجربة عملية لتوضيح هذه المخاطر، حيث انتحل شخصية طفل يتعرض للسخرية بسبب ضعفه في الرياضيات، ولاحظ أن الذكاء الاصطناعي قدم سلسلة من النصائح غير الواقعية وغير المناسبة للطفل المفترض. وأشار إلى أن هذه النصائح لا يمكن لطفل يعاني من صعوبات اجتماعية أن ينفذها.
وفي سياق متصل، أكد رئيس الجمعية البريطانية لعلم النفس، رومان راتشكا، أن الذكاء الاصطناعي، على الرغم من فوائده المحتملة، لا يمكنه أن يحل محل الدعم الإنساني الحقيقي في مجال الصحة النفسية. وأضاف: “هناك خطر حقيقي في خلق وهم بالتواصل، فالذكاء الاصطناعي قد يبدو متفهماً، لكنه يفتقر إلى التعاطف الإنساني.”
ودعا راتشكا الحكومة البريطانية إلى زيادة الاستثمار في الكوادر المتخصصة في الصحة النفسية لتلبية الطلب المتزايد على العلاج. وأشار إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة مساعدة مفيدة، ولكنه يجب أن يظل جزءاً من نظام دعم أوسع يشمل متخصصين بشريين.
كما نوه إلى أن وزارة الصحة البريطانية أصدرت توصيات للأطباء بعدم استخدام الذكاء الاصطناعي في تشخيص المرضى، مؤكدة على ضرورة الحفاظ على سرية البيانات الصحية في أنظمة مغلقة وآمنة.
وفي الختام، يتضح أن الذكاء الاصطناعي يمثل أداة واعدة في مجال الصحة، ولكنه لا يزال بعيداً عن القدرة على توفير الدعم النفسي الشامل والدقيق الذي يحتاجه الأفراد. من المتوقع أن تشهد الأشهر القادمة المزيد من النقاشات حول تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا المجال، مع التركيز على حماية المرضى وضمان حصولهم على رعاية صحية نفسية عالية الجودة. سيراقب الخبراء عن كثب التطورات التنظيمية والتقنية لتقييم تأثيرها على الصحة النفسية العامة.













