أيدت محكمة الاستئناف في تيزي وزو شرقي الجزائر حكمًا بالسجن سبع سنوات على الصحافي الفرنسي كريستوف غليز بتهمة “الإشادة بالإرهاب”، وهو الحكم الذي أثار غضبًا واسعًا في فرنسا وتجدد المخاوف بشأن حرية الصحافة في الجزائر. جاء تأييد الحكم الأربعاء، مع إمهال غليز ثمانية أيام للطعن أمام محكمة النقض، ليضع مصيره أمام احتمال استمرار فترة سجنه الطويلة.
القرار يأتي بعد نحو عام ونصف من توقيف غليز، ويثير تساؤلات حول معايير إثبات “الإشادة بالإرهاب” في البلاد، خاصةً وأن القضية تتعلق بتواصله مع شخصيات مرتبطة بحركة تقرير مصير منطقة القبائل (ماك) المصنفة محليًا كمنظمة إرهابية. وتعتبر هذه القضية من بين أبرز القضايا التي سلطت الأضواء على أوضاع الصحافة في الجزائر.
تأكيد الحكم وإدانة دولية على الصحافي كريستوف غليز
أعلنت المحكمة تثبيت الحكم الابتدائي الصادر في يونيو الماضي، بعد جلسة استماع لم تنجح في إقناع القضاة ببراءة الصحافي الفرنسي. وأكد رئيس المحكمة أن غليز يمكنه الطعن في الحكم أمام محكمة النقض خلال ثمانية أيام.
ويستند الاتهام إلى أن غليز قام بالتواصل مع أفراد مرتبطين بحركة “ماك” وامتلك موادًا تعتبر ترويجًا لأفكارها، وهو ما اعتبرته السلطات الجزائرية مساسًا بالمصلحة الوطنية. خلال الجلسة، قدم غليز اعتذارًا للمحكمة، موضحًا أنه كان ينبغي عليه الحصول على تأشيرة صحافية بدلًا من تأشيرة سياحية قبل مزاولة عمله في الجزائر.
ردود فعل فرنسية رسمية وشعبية
أعربت الخارجية الفرنسية عن “أسفها الشديد” للقرار، وطالبت بالإفراج عن غليز في أقرب وقت ممكن. وأشارت إلى أن التعاون الكامل للصحافي مع السلطات، وتوضيحات دفعه، لم تكن كافية لتعديل الحكم.
كما عبر سياسيون فرنسيون عن رفضهم للحكم، واصفين إياه بـ”الظلم”. وأكد برونو ريتيلو، رئيس حزب الجمهوريين، أن فرنسا “لن تتخلى عنه”، بينما دعا النائب الاشتراكي بوريس فالو إلى “الإفراج الفوري” عنه، مشددًا على أهمية الدفاع عن حرية التعبير بغض النظر عن التكلفة.
ويعتبر هذا الحكم بمثابة تصعيد في التوتر بين باريس والجزائر، خاصةً في ظل تدهور العلاقات الثنائية في الآونة الأخيرة. تأتي ردود الفعل الفرنسية في سياق دعم باريس الدائم لحرية الصحافة حول العالم.
انتقادات حقوقية ومخاوف عائلية
أدانت منظمة مراسلون بلا حدود الحكم، وطالبت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالتدخل العاجل لضمان إطلاق سراح الصحافي. ووصفت المنظمة الحكم بأنه “انتهاك صارخ” لحرية الصحافة، وأن السلطات الجزائرية تستخدم اتهامات “الإرهاب” لقمع المعارضة وتقييد عمل الصحافيين.
عائلة غليز، التي حضرت جلسة الاستئناف، عبرت عن صدمتها وخيبة أملها. وقال شقيق الصحافي إنه كان “مذهولًا” بالقرار، بينما أكد والداه أنهما “مدمران”.
كانت العائلة تأمل في أن يسهم تحسن العلاقات بين فرنسا والجزائر في تخفيف الحكم على ابنهم، خاصةً بعد العفو الذي منحه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون للكاتب بوعلام صنصال في نوفمبر الماضي، بعد إدانته بتهمة “المساس بالوحدة الوطنية”.
خلفيات القضية وتداعياتها المحتملة
كريستوف غليز، البالغ من العمر 36 عامًا، ويعمل صحفيًا في مجلتي “سو فوت” و”سوسايتي”، كان يقوم بتغطية صحفية حول نادي شبيبة القبائل في تيزي وزو عندما تم توقيفه في مايو 2024. وكان الصحافي يعمل على تحقيق حول وفاة اللاعب الكاميروني ألبرت إيبوسيه، وخلال ذلك التقى بمسؤول في نادي كرة القدم وأحد كوادر حركة “ماك”.
وادعى الادعاء العام سابقًا أن غليز لم يأتِ إلى الجزائر بغرض العمل الصحافي، بل لارتكاب “فعل عدائي”، وطالب بتغريمه 500 ألف دينار جزائري.
يتوقع المراقبون أن تستأنف الخارجية الفرنسية الضغط على السلطات الجزائرية لإطلاق سراح غليز، وأن ترفع هذه القضية في الحوارات الثنائية بين البلدين. كما من المرجح أن تثير هذه القضية جدلاً واسعًا حول الوضع الحقوقي في الجزائر، وحرية الصحافة بشكل خاص. الخطوة التالية ستكون طعن غليز أمام محكمة النقض، والتي من المقرر أن تنظر في القضية خلال الأسابيع القليلة القادمة.













