أطلقت الحكومة الأسترالية خطة مثيرة للجدل لحظر وصول المراهقين وصغار السن إلى منصات التواصل الاجتماعي مثل إنستغرام وتيك توك، مما دفع العديد من الدول إلى إعادة تقييم قوانينها المتعلقة بمنصات التواصل الاجتماعي وسلامة الأطفال على الإنترنت. وتعتبر هذه الخطوة نقطة تحول في كيفية تعامل الحكومات مع تأثير هذه المنصات على الصحة النفسية والاجتماعية للشباب.
وتعد أستراليا أول دولة ديمقراطية تتخذ مثل هذه الإجراءات الجذرية، حيث قد تصل الغرامات على الشركات المخالفة إلى 32 مليار دولار. ويدرس صناع القرار في دول مثل كوبنهاغن وجاكرتا والبرازيل عن كثب الوضع في أستراليا، مع الترقب لتقييم ردود فعل شركات التكنولوجيا الكبرى قبل اتخاذ خطوات مماثلة.
خط سير لبقية دول العالم في تنظيم منصات التواصل الاجتماعي
أعربت وزيرة الشؤون الرقمية في الدانمارك، كارولين ستيج أولسن، عن إعجابها بالقانون الأسترالي الجديد، واصفةً إياه بأنه “خطوة مهمة وأساسية”. وتعكس تصريحاتها اتجاهاً عالمياً متزايداً نحو تنظيم منصات التواصل الاجتماعي، خاصةً مع نقص البيانات الإحصائية الرسمية حول استخدام المراهقين لهذه المنصات.
ترى أبيجل تشين، من شركة “فلينت غلوبال” للاستشارات السياسية والتنظيمية، أن هذه الخطوات قد تؤدي إلى ظهور معايير عالمية لضمان تحقق المستخدمين من أعمارهم عند التسجيل في منصات التواصل الاجتماعي.
بدأت العديد من الدول بالفعل في اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه. فقد قررت البرازيل ربط حسابات المستخدمين الذين تقل أعمارهم عن 16 عامًا بحسابات أولياء أمورهم اعتبارًا من مارس المقبل.
كما أن البرلمان الأوروبي قد صوّت لصالح قانون جديد يلزم منصات التواصل الاجتماعي بالحصول على موافقة الوالدين لإنشاء حسابات للأطفال دون سن 15 عامًا. هذا القانون يسعى إلى حماية الأطفال من المحتوى الضار والاستغلال عبر الإنترنت.
وفي آسيا، اتخذت إندونيسيا خطوة مماثلة بإلزام الحصول على موافقة الآباء قبل إنشاء حسابات للمراهقين دون سن 18 عامًا. بالإضافة إلى ذلك، اتخذت ماليزيا ونيوزيلندا قرارات بمنع استخدام منصات التواصل الاجتماعي للمراهقين دون سن 16 عامًا.
رد فعل متفاوت من شركات التكنولوجيا
تباينت ردود فعل شركات التكنولوجيا على هذه القرارات. أعلنت شركة “ميتا”، المالكة لفيسبوك وإنستغرام، عن نيتها الامتثال للقوانين الجديدة، على الرغم من اعتقادها بوجود حلول أفضل لحماية المستخدمين.
أبدت “تيك توك” أيضًا استعدادها للامتثال، مع الإعراب عن قناعتها بأن حظر المستخدمين بناءً على العمر ليس حلاً فعالًا.
وردت “غوغل” و”يوتيوب” و”سناب” بالرفض لتصنيفهم كمنصات تواصل اجتماعي، مؤكدين أن هذا التصنيف يعكس فهمًا غير دقيق لطريقة عمل هذه المنصات. في المقابل، امتنعت شركة “إكس” عن تقديم أي تعليق حول الموضوع.
أسباب هذا التوجه المتزايد نحو التنظيم
يعزى السبب الرئيسي وراء هذا التوجه المتزايد نحو تنظيم منصات التواصل الاجتماعي إلى المخاوف المتزايدة بشأن تأثيرها السلبي على صحة وسلامة الشباب. تشمل هذه المخاوف انتشار تحديات خطيرة عبر الإنترنت، والتنمر الإلكتروني، والمحتوى الضار الذي قد يؤدي إلى مشاكل نفسية وحتى الانتحار.
يعتقد باتريك جونز، سفير يبلغ من العمر 16 عامًا في مجموعة للدفاع عن الصحة العقلية للشباب، أن “المشكلة تكمن في المحتوى نفسه، وليس في قدرتنا على الوصول إليه”. وهذا يشير إلى أن التركيز يجب أن يكون على تطوير آليات فعالة لمكافحة المحتوى الضار، بدلاً من مجرد حظر الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي.
يبقى التحدي الأكبر هو كيفية تطبيق هذه القوانين بشكل فعال، حيث يمكن للمستخدمين تجاوز القيود البرمجية بسهولة. من المتوقع أن تستمر النقاشات حول أفضل السبل لتنظيم منصات التواصل الاجتماعي وحماية الشباب على الإنترنت في الأشهر والسنوات القادمة. وسيكون من المهم مراقبة التطورات في أستراليا والدول الأخرى التي تتخذ خطوات مماثلة لتقييم فعالية هذه الإجراءات وتأثيرها على حرية التعبير والوصول إلى المعلومات.













