رفض الناخبون السويسريون، في قرار حاسم، مشروع قانون لفرض ضريبة على الميراث بنسبة 50% على أصحاب الثروات الكبيرة. يأتي هذا الرفض على الرغم من حملة بارزة لدعم المبادرة، والتي كان من المفترض أن تساهم في تمويل مبادرات لمواجهة تغير المناخ، إلا أن المخاوف المتعلقة بهجرة الأموال لعبت دوراً كبيراً في تحديد نتيجة التصويت على ضريبة الميراث.
أظهرت النتائج الأولية أن 82% من المشاركين في الاستفتاء صوتوا ضد الاقتراح، وهو ما يتماشى مع استطلاعات الرأي التي أجريت قبيل التصويت. كانت الضريبة المقترحة تستهدف الأصول التي تتجاوز قيمتها 50 مليون فرنك سويسري (حوالي 62 مليون دولار أمريكي)، وتشمل الميراث والهدايا، ويتوقع أن تتأثر بها حوالي 2500 شخص فقط، أي ما يمثل 0.03% من إجمالي السكان.
مخاوف من “هجرة الثروة” تؤثر على نتيجة التصويت
على الرغم من أن عدد المتأثرين الضريبي كان محدودًا، إلا أن الحكومة ومعظم الأحزاب السياسية – باستثناء اليسار – حذرت من أن هذا الإجراء قد يؤدي إلى عواقب عكسية، مثل مغادرة الأثرياء البلاد وخسارة الدولة لإيرادات ضريبية مهمة. وكان رجال الأعمال البارزون قد لوحوا علنًا بإمكانية نقل إقامتهم وثرواتهم إلى دول أخرى إذا تم إقرار الضريبة.
من بين هؤلاء، بيتر شبولر، المساهم الأكبر في شركة “ستادلر ريل”، الذي صرح بأنه قد يضطر إلى بيع شركته في حالة وفاته إذا تم تطبيق هذه الضرائب، معتبراً إياها بمثابة “عقاب” على الثروة. وقد ساهمت هذه التصريحات بشكل كبير في تشكيل الرأي العام الرافض للمبادرة.
سويسرا ومناخ الأعمال الجذاب
تعتبر سويسرا تقليدياً ملاذاً للأثرياء، حيث تتمتع بنظام ضريبي يجذب رؤوس الأموال والاستثمارات. وتشير الإحصائيات إلى أن سويسرا تحتل مرتبة متقدمة عالميًا من حيث عدد المليارديرات بالنسبة لعدد السكان، حيث يوجد أكثر من 9 مليارديرات لكل مليون نسمة، وهو ما يمثل 5 أضعاف المتوسط في أوروبا الغربية، وفقًا لدراسة حديثة أجرتها بنك “يو بي إس”.
بالإضافة إلى ذلك، يمنح النظام الضريبي السويسري الأجانب الأثرياء معاملة تفضيلية، مما يسمح لهم بدفع الضرائب دون الحاجة إلى الكشف عن تفاصيل كاملة لأصولهم. هذه العوامل مجتمعة تعزز مكانة سويسرا كمركز مالي عالمي جاذب لرأس المال، وقد أثارت المخاوف من تقويض هذه الميزة التنافسية بسبب ضريبة الميراث.
نتائج استفتاء آخر: رفض الخدمة العسكرية الإلزامية للنساء
وفي سياق متصل، رفض الناخبون السويسريون في استفتاء آخر اقتراحًا بفرض خدمة عسكرية إلزامية على النساء. حصلت المبادرة على دعم حوالي 14% فقط من الأصوات، مما يدل على عدم وجود إقبال كبير على هذا المقترح. كان الاقتراح يتيح للنساء أداء الخدمة العسكرية أو القيام بعمل مدني بديل، مثل رعاية المسنين أو المشاركة في مشاريع بيئية.
أسباب الرفض
يعكس رفض هذا الاقتراح -كما هو الحال مع ضريبة الميراث– ميلًا عامًا في سويسرا نحو الحفاظ على الوضع الراهن وحماية مناخ الأعمال الجذاب. وقد سبق للناخبين السويسريين أن رفضوا مبادرات تهدف إلى تشديد معايير الانبعاثات، أو فرض حد أدنى وطني للأجور، أو زيادة عدد أيام الإجازات السنوية الإلزامية.
من المتوقع أن تستمر الحكومة السويسرية في مراقبة تطورات الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وتقييم آثاره على السياسات الضريبية والاقتصادية. في الوقت الحالي، لا توجد خطط واضحة لتقديم مبادرات مماثلة في المستقبل القريب، ولكن من المرجح أن تستمر المناقشات حول كيفية تمويل المبادرات البيئية والاجتماعية في ظل المخاوف المتعلقة بهجرة الأموال والحفاظ على القدرة التنافسية للاقتصاد السويسري. يجب مراقبة التطورات في المراكز المالية الأخرى، مثل سنغافورة ودبي، لتقييم تأثيرها المحتمل على سويسرا.













