التقطت مهمة كوبرنيكوس سنتينل-2 صوراً مذهلة لـ”عين الصحراء” أو هيكل الريشات، وهي معلم جيولوجي فريد يقع في شمال موريتانيا. تعتبر هذه البنية الدائرية الضخمة، التي يبلغ قطرها حوالي 50 كيلومترًا، من أكثر الظواهر إثارة للدهشة في الصحراء الكبرى، وتجذب اهتمام العلماء وهواة الفضاء على حد سواء. تُظهر أحدث الصور تفاصيل جيولوجية دقيقة للهيكل، مما يسهم في فهم أعمق لتكوينه وعمره.
يقع هيكل الريشات في إقليم آدرار بشمال موريتانيا، وقد استغرق تفسير طبيعته الجيولوجية سنوات عديدة. في البداية، افترض الكثيرون أنه ناتج عن اصطدام نيزكي، لكن الدراسات الحديثة تشير إلى أنه تشكل على مدى ملايين السنين من خلال عمليات صعود المواد المنصهرة من باطن الأرض وتآكلها التدريجي.
قصة بطيئة لتكوين **عين الصحراء**
لسنوات طويلة، سيطر الاعتقاد السائد بأن هذا الشكل الدائري المميز هو فوهة نيزكية. ومع ذلك، يُرجح اليوم أننا أمام قصة جيولوجية أبطأ وأكثر تعقيدًا. يُعتقد أن القبة الصخرية الضخمة ارتفعت نتيجة لصعود مواد منصهرة من باطن الأرض، ثم لعبت عوامل التعرية مثل الرياح والماء دورًا حاسمًا في تشكيلها على مر الزمن.
يتفق الجيولوجيون الآن على أن عمر هذه البنية لا يقل عن 100 مليون سنة، وأنها تتكون من حلقات متتالية من الصخور الرسوبية. يشبه هذا التكوين طبقات جيولوجية مكشوفة، تروي قصة تاريخ الأرض.
الصور الجديدة تكشف تفاصيل جيولوجية
قدمت مهمة كوبرنيكوس سنتينل-2، وهي جزء من برنامج كوبرنيكوس الأوروبي لمراقبة الأرض، صورتين حديثتين لـ “عين الصحراء”. تُظهر إحدى الصورتين الألوان الطبيعية للمنطقة، بينما تستخدم الأخرى ألوانًا مصطنعة لإبراز الاختلافات في تركيب الصخور والمعادن.
تساعد الألوان الاصطناعية في تمييز الصخور الأكثر مقاومة للتعرية، مثل الحجر الرملي الكوارتزي، والتي تظهر بدرجات الأحمر والوردي. هذه الصخور تشكل الحلقات الخارجية وبعض المناطق المرتفعة داخل الهيكل. وعلى النقيض من ذلك، تكشف المناطق المظلمة عن صخور أكثر ليونة تعرضت لنحت أسرع بفعل عوامل التعرية، مما أدى إلى تكوين منخفضات ووديان بين الحلقات.
الرياح والرمال تشكل المشهد
يظهر في الصور أيضاً تأثير الرياح والرمال على تشكيل المشهد المحيط بـ “عين الصحراء”. يتضح ذلك من خلال تراكم الرمال على الحواف الجنوبية للهيكل، وكذلك وجود مجاري نهرية جافة متناثرة.
تساعد هذه التفاصيل في فهم العمليات الجيولوجية التي استمرت في تشكيل المنطقة بعد تكوين الهيكل الرئيسي. الأمر الذي يجعلها منطقة دراسة مهمة لفهم تطور الصحاري والعمليات الجيولوجية التي تحدث فيها. هذا الاهتمام يمتد ليشمل دراسة **التصوير الفضائي** كأداة رئيسية في البحث الجيولوجي.
تتضمن التفاصيل التي تظهر في الصور ارتفاعًا في الحلقات المركزية يصل إلى حوالي 80 مترًا، وتشير البيانات إلى أن هذه الصخور أقدم من صخور الدوائر الخارجية. كما أن المنطقة المحيطة بـ “عين الصحراء” هي جزء من هضبة آدرار الرسوبية التي ترتفع فوق الرمال المحيطة بحوالي 200 متر. من الجدير بالذكر أن الرمال نفسها تمتد عبر عرق وعران، وهو مسطح رملي هائل يمتد حتى مالي.
حتى داخل هذا النظام الصخري، يمكن رؤية دليل على الحركة المستمرة للرمال، وخاصةً نحو الجنوب. بالإضافة إلى ذلك، تظهر نقاط نباتية متفرقة على حواف مجرى نهر جاف، وتلمع باللون الأرجواني في الصورة الكاذبة اللون، مما يشير إلى وجود حياة نباتية محدودة في هذه المنطقة القاحلة. تشير هذه الملاحظات إلى أهمية دراسة **الظواهر الجيومورفولوجية** وتأثيرها على البيئة.
تستمر أحدث التقنيات في مجال **الاستشعار عن بعد**، مثل تلك المستخدمة في مهمة كوبرنيكوس سنتينل-2، في توفير رؤى جديدة حول هذه البنية الفريدة والمنطقة المحيطة بها. تُعد هذه الصور أداة قيمة للباحثين والجيولوجيين الذين يسعون إلى فهم تاريخ وتكوين “عين الصحراء” بشكل أفضل.
من المتوقع أن تستمر وكالة الفضاء الأوروبية في تحليل البيانات التي تجمعها مهمة كوبرنيكوس سنتينل-2، وتقديم تحديثات حول هذا الهيكل الجيولوجي المذهل. سيساهم هذا التحليل في تحسين فهمنا للعمليات الجيولوجية التي شكلت الصحراء الكبرى على مر ملايين السنين، مع التركيز على تحديد التغيرات المستقبلية المحتملة في المنطقة.













