عقد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز ونظيره المغربي عزيز أخنوش، في الرابع من ديسمبر 2025، قمة في مدريد تناولت قضايا ثنائية حاسمة، أبرزها مستقبل الصحراء الغربية وإدارة المجال الجوي بالمنطقة. تأتي هذه القمة في سياق سعي إسبانيا والمغرب لتعزيز التعاون في مجالات متعددة، بينما تشهد الحكومة الإسبانية انقسامات داخلية حول هذا الملف تحديداً. وتشمل القضايا الأخرى التي تمت مناقشتها الهجرة ومكافحة الإرهاب والتعاون الاقتصادي.
وشهدت الاجتماعات الثنائية توقيع 14 اتفاقية تعاون جديدة، تغطي مجموعة واسعة من القطاعات، من الإدارة الرقمية إلى مكافحة المعلومات المضللة. ترافق هذه القمة مع تصريحات قوية من كلا الجانبين، تعكس التحديات السياسية والاقتصادية المعقدة التي تشكل العلاقة بين البلدين. وتُعد هذه القمة الثالثة عشرة من نوعها، لكنها تتميز بحدة الخلافات الداخلية في إسبانيا.
الخلافات حول الصحراء الغربية: نقطة ارتكاز القمة
تعتبر قضية الصحراء الغربية هي جوهر الخلافات وأحد أهم العوامل التي تؤثر على العلاقات الإسبانية المغربية. يطالب المغرب بالسيادة الكاملة على الإقليم، بينما تدعم جبهة البوليساريو، بتأييد من الجزائر، حق تقرير المصير للشعب الصحراوي. وتاريخياً، كانت إسبانيا هي القوة المستعمرة للصحراء الغربية حتى عام 1975، وهي تحتفظ بمسؤولية تاريخية تجاه المنطقة.
توترات داخلية في إسبانيا
أظهرت الحكومة الإسبانية الائتلافية انقسامات حادة بشأن هذه القضية، حيث قاطع وزراء من حزب سُومّار القمة تعبيراً عن دعمهم لاستفتاء شعبي في الصحراء الغربية. نايبة رئيس الوزراء يولاندا دياز، المعروفة بتوجهاتها اليسارية، أكدت رفضها لأي تنازل عن الأراضي الصحراوية، قائلة: “لا يمكننا التنازل عن سنتيمتر واحد من أراضي الصحراء”. يعكس هذا الموقف الضغوط الداخلية التي تواجهها الحكومة في التعامل مع هذا الملف الحساس.
مطالب المغرب بإدارة المجال الجوي
يسعى المغرب إلى الحصول على اعتراف دولي بسيادته على الصحراء الغربية، ويطالب بإدارة كاملة للمجال الجوي في المنطقة. أشار وزير التجارة المغربي رياض مزور إلى أنه في حالة سيطرة دولة على إقليم ما، فمن المنطقي أن تدير جميع جوانبه، بما في ذلك الجوية والبرية والبحرية. وهذا الطلب يثير قلق إسبانيا، خاصةً فيما يتعلق بجزر الكناري التي تقع بالقرب من الصحراء الغربية.
الهجرة والتعاون الأمني: مجالات توافق إضافية
بالإضافة إلى قضية الصحراء الغربية، ركزت القمة على التعاون في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية. أظهرت البيانات الصادرة عن السلطات الإسبانية انخفاضًا بنسبة 29٪ في عدد المهاجرين غير القانونيين الذين وصلوا إلى إسبانيا خلال الأحد عشر شهرًا الأولى من عام 2025، مقارنةً بعام 2024. ويعزى هذا الانخفاض جزئيًا إلى الجهود المشتركة بين إسبانيا والمغرب.
وأكد المسؤولون المغاربة على التزامهم بالتعامل مع ملف الهجرة بشكل مسؤول، والعمل مع الشركاء الأوروبيين لضمان عدم تحوله إلى أزمة. وأشار مزور إلى أن التعاون بين البلدين يسير بخطوات إيجابية، وأن أي تحسن في السياسات الإسبانية ينعكس بشكل إيجابي على التعاون المغربي. بالإضافة إلى ذلك، تمت مناقشة سبل تعزيز التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب والتطرف.
آفاق اقتصادية واجتماعية جديدة
لم تغفل القمة عن الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، حيث التقى أكثر من 100 من قادة الأعمال الإسبان والمغاربة لبحث فرص التعاون الجديدة. تم التأكيد على أهمية تعزيز الشراكات في قطاعات مثل إدارة المياه والطاقة المتجددة والنقل. ومع قرب استضافة إسبانيا والمغرب والبرتغال لكأس العالم 2030، تم النظر في المشاريع والبنية التحتية اللازمة لاستضافة الحدث العالمي.
كما تعهد الطرفان بتعزيز التعاون في مجالات مثل الدبلوماسية النسوية ومكافحة خطاب الكراهية والمعلومات المضللة. تهدف هذه المبادرات إلى بناء مجتمعات أكثر شمولاً وتسامحًا، وتعزيز الحوار والتفاهم بين الثقافات. بالإضافة إلى ذلك، تم الاتفاق على تبادل الخبرات والمعرفة في مجال الإدارة العامة الرقمية.
في الختام، وعلى الرغم من التوترات السياسية القائمة حول الصحراء الغربية، نجحت القمة الإسبانية المغربية في إحراز تقدم في مجالات أخرى مهمة. من المتوقع أن تستمر المفاوضات حول قضية الصحراء الغربية في الأشهر المقبلة، مع احتمال التوصل إلى حل وسط يرضي جميع الأطراف. وستظل مواقف الأحزاب السياسية الإسبانية المتجاورة، وردود فعل جبهة البوليساريو، عوامل رئيسية يجب مراقبتها لتقييم مستقبل هذه العلاقة الثنائية الهامة.













