يؤكد محللون وخبراء أن إسرائيل تسعى إلى تغيير الصورة النمطية للمقاتل الفلسطيني الصامد، محاولةً استبدالها بصورة تظهر الاستسلام والضعف، وذلك من خلال الضغط على المقاتلين المحاصرين في أنفاق قطاع غزة، وخصوصاً في رفح. تأتي هذه الجهود في ظل فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها المعلنة من الحرب المستمرة، وتسعى من خلالها إلى تحقيق نصر إعلامي يعوض عن الإخفاقات الميدانية. هذا التوجه يثير تساؤلات حول الالتزام بالقانون الدولي وحقوق المقاتلين.
وفي مقابلات مع مراسلين، أوضح المحللون أن الوضع بالنسبة للمقاتلين داخل الأنفاق يزداد تعقيدًا، ليس فقط من الناحية العسكرية والأمنية، بل أيضًا من الناحية الجغرافية. فبعد اتفاق وقف إطلاق النار في شرم الشيخ، بات هؤلاء المقاتلون خارج المناطق التي تسيطر عليها قوات الاحتلال بشكل مباشر، مما يجعل الوصول إليهم والسيطرة عليهم تحديًا أكبر لإسرائيل.
محاولات إسرائيل لتغيير صورة المقاومة و الضغط على المقاتلين في الأنفاق
تتمحور استراتيجية إسرائيل، وفقًا للخبير في القانون الدولي أنيس القاسم، حول وضع المقاتلين أمام خيارين قسريين: الاستسلام المهين أو القتل داخل الأنفاق. ويعتبر هذا الأسلوب خرقًا واضحًا للقانون الدولي، حيث أن أي مقاتل يضع سلاحه ويتوقف عن القتال يجب أن يتمتع بالحماية القانونية، ولا يجوز استهدافه.
وفي هذا الصدد، يشير أسامة خالد، الخبير الأمني والعسكري، إلى أن إصرار الجيش الإسرائيلي على استسلام المقاتلين يهدف إلى الحصول على مشهدية نصر كبيرة، تعوض عن حالة الضعف التي أظهرها أمام المقاومة الفلسطينية خلال الأشهر الماضية. وأضاف خالد أن إسرائيل تحاول إظهار نفسها كقوة قادرة على سحق المقاومة، وإجبارها على الرضوخ لشروطها.
الوضع القانوني للمقاتلين في الأنفاق
من الناحية القانونية، يرى القاسم أن عمليات القتل التي تقوم بها إسرائيل داخل الأنفاق تعتبر اغتيالات صريحة، وليست قتلاً في سياق معركة مشروعة. ويؤكد أن اتفاقيات جنيف لا تعترف إلا بفئتين من الأشخاص: المدنيون والمقاتلون، ولا توجد فئة ثالثة يمكن تصنيف المقاتلين على أساسها.
وبحسب تصريحات الجيش الإسرائيلي، فقد قتل أكثر من 40 مسلحًا خلال غارات وتفجيرات استهدفت أنفاقًا في منطقة رفح جنوب قطاع غزة خلال الأيام الأخيرة. في المقابل، تقدر حركة حماس أن عدد مقاتليها العالقين داخل الأنفاق يتراوح بين 80 و100 مقاتل، ويعانون من ظروف إنسانية بالغة الصعوبة نتيجة لانعدام الضروريات الأساسية من ماء وغذاء وهواء.
الإنتهاكات المستمرة و البحث عن صورة نصر
يؤكد عريب الرنتاوي، مدير مركز القدس للدراسات السياسية، أن إسرائيل تسعى جاهدةً لاستبدال صورة يحيى السنوار وهو يقاوم ببسالة، بصورة مقاتل آخر يستسلم ويرفع الراية البيضاء. ويرى الرنتاوي أن هذا يعكس حالة اليأس التي تعيشها إسرائيل في تحقيق نصر حقيقي في قطاع غزة، وأنها تحاول اللجوء إلى طرق أخرى لإظهار تفوقها.
ويضيف الرنتاوي أن إسرائيل تتربص بهؤلاء المقاتلين، وتحاول القضاء عليهم داخل الأنفاق، سواء بالقصف الوحشي أو بإغلاق الأنفاق وقطع الإمدادات عنهم، وهذا يعتبر جريمة حرب بحقهم.
مسؤولية المجتمع الدولي و الآفاق المستقبلية
بالنظر إلى هذه التطورات، يرى المحللون أن المسؤولية تقع على عاتق المجتمع الدولي، والأطراف العربية الفاعلة، للضغط على إسرائيل لوقف هذه الانتهاكات، وضمان حماية المقاتلين الفلسطينيين. يجب على هذه الأطراف أن تعمل على تحقيق حل سياسي عادل ودائم، يكفل حقوق الفلسطينيين، ويضمن عودتهم الآمنة إلى ديارهم.
وفي الختام، يتفق الخبراء على أن الوضع في قطاع غزة لا يزال هشًا وغير مستقر. من المتوقع أن تستمر المفاوضات بين إسرائيل وحماس للتوصل إلى اتفاق تبادل أسرى ووقف دائم لإطلاق النار. ومع ذلك، فإن نجاح هذه المفاوضات يعتمد على مدى استعداد إسرائيل لتقديم تنازلات حقيقية، والالتزام بالقانون الدولي. يجب متابعة تطورات الوضع عن كثب، وتقييم التحديات والعقبات التي قد تعترض طريق تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.













