نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالًا بقلم بن رودس، مستشار الأمن القومي السابق في إدارة أوباما، ينتقد بشدة السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل وقطاع غزة في ظل إدارة الرئيس جو بايدن. ويصف رودس هذه السياسة بأنها فشل في فهم الديناميكيات المتغيرة في الشرق الأوسط وتلبية توقعات الرأي العام الأمريكي، بالإضافة إلى عدم التمسك بالقيم المعلنة المتعلقة بحقوق الإنسان والديمقراطية.
يركز المقال على العلاقة التاريخية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وكيف تطورت على مر العقود. ويدعي رودس أن السياسة الأمريكية الحالية، القائمة على الدعم غير المشروط لإسرائيل، أثبتت عقمها أخلاقياً وسياسياً، بل وأدت إلى نتائج كارثية، خاصةً بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
انتقاد السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل
يبدأ رودس مقاله بوصف مشهد الرئيس بايدن وهو يحتضن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد الهجوم، معتبراً أن هذا المشهد يجسد نهجاً طويل الأمد داخل الحزب الديمقراطي. هذا النهج، بحسب المقال، يتمثل في منح إسرائيل دعماً غير مشروط على أمل التأثير في سلوكها، وهو ما لم يتحقق على الإطلاق.
يؤكد رودس أن هذه الإستراتيجية، التي يطلق عليها “احتضان بيبي”، أدت إلى زيادة كبيرة في المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، واستخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لمنع وقف إطلاق النار، والدفاع عن نتنياهو أمام المحكمة الجنائية الدولية. كما يشير إلى تجاهل الولايات المتحدة لقواعدها الخاصة المتعلقة بالوحدات الإسرائيلية المتهمة بانتهاكات حقوقية.
تأثير السياسة الأمريكية على مكانة الديمقراطيين
يرى الكاتب أن هذه السياسة كشفت عن تناقضات واضحة في الخطاب الديمقراطي، خاصةً فيما يتعلق بالنظام القائم على القواعد، وحقوق الإنسان، والعدالة. ويشير إلى أن هذا التناقض أضعف موقف الحزب الديمقراطي أمام الناخبين الشباب، الذين يمثلون قاعدة انتخابية مهمة.
بالإضافة إلى ذلك، يعتقد رودس أن الدعم الأمريكي المستمر لنتنياهو سمح له بتعزيز تحالفه مع الرئيس دونالد ترامب، مما عزز قوة اليمين العالمي الصاعد. ويضيف أن محاولة الحزب الديمقراطي “طمس” ما حدث في غزة لن تحل المشكلة، بل ستزيدها تعقيداً، مشيراً إلى أن الواقع على الأرض لا يمكن تجاهله: غزة مدمرة، وحماس لا تزال موجودة، وتستمر إسرائيل في سياسات الضم في الضفة الغربية.
التحول السياسي في إسرائيل والخيارات المتاحة للديمقراطيين
يشير المقال إلى أن المشهد السياسي في إسرائيل يميل بشكل متزايد نحو اليمين المتشدد، مما يجعل إمكانية تحقيق تغيير جذري من خلال الإطاحة بنيتياهو أمراً غير مؤكد. ويؤكد رودس أن مجرد تغيير القيادة الإسرائيلية لن يكون كافياً لمعالجة المشاكل العميقة الجذور في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وفي مواجهة هذا الواقع الجديد، يدعو رودس الحزب الديمقراطي إلى كسر إرث دعمه للحكومات الإسرائيلية اليمينية، والعودة إلى رؤية تتسق مع مبادئه وقيمه. ويشير إلى أن هذه الرؤية يجب أن تتضمن دعماً قوياً لإنهاء الاحتلال، وتحقيق حل عادل ودائم للصراع.
ويستعرض المقال جذور العلاقة التاريخية بين الديمقراطيين وإسرائيل، بدءًا من دعم الزعيم الصهيوني لويس برانديس، مروراً باعتراف الرئيس ترومان بدولة إسرائيل، وصولاً إلى تحالف اليهود الأمريكيين مع حركة الحقوق المدنية. إلا أنه يرى أن هذه السردية لم تعد تنسجم مع الواقع الحالي، الذي يتميز بالاحتلال والضم وتوسع المستوطنات.
ويذكر المقال دور لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) في الضغط على إدارة أوباما لضمان عدم وجود “فجوة” بينها وبين نتنياهو، على الرغم من انتقادات الأخير المتكررة لأوباما. ويصف رودس خطابات الديمقراطيين خلال تلك الفترة بأنها أصبحت “صيغة جوفاء” تفتقر إلى المصداقية.
فيما يتعلق باتفاقيات أبراهام، يرى الكاتب أنها رغم أنها رحب بها الديمقراطيون، إلا أنها تجاهلت القضية الفلسطينية ولم تسهم في حل الصراع. ويشير إلى أن الديمقراطيين استمروا في استخدام عبارات نمطية مثل “إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” و”لها الحق في الدفاع عن نفسها”، معتبرًا أنها تعكس لغة “محنطة” لم تتغير منذ اتفاقيات أوسلو عام 1993.
يؤكد رودس أن الوضع يتطلب من الديمقراطيين اتخاذ مواقف جريئة ومبادئية، بما في ذلك وقف المساعدات العسكرية لإسرائيل إذا استمرت في ارتكاب جرائم حرب، ودعم المحكمة الجنائية الدولية، ومواجهة أي محاولة للضم أو التطهير العرقي. كما يدعو إلى الاستثمار في قيادة فلسطينية بديلة، والدفاع عن الديمقراطية دون تمييز.
ويختتم المقال بالإشارة إلى أن الناخبين الأمريكيين، بمن فيهم اليهود، بدؤوا في إبداء انتقادات متزايدة لإسرائيل، وأن الدعم الشعبي لإسرائيل في انخفاض مستمر. ويقول إن هذا التغيير في الرأي العام يمثل فرصة للديمقراطيين لإعادة تقييم سياساتهم، واتخاذ خطوات جريئة نحو تحقيق سلام دائم في المنطقة. قد يؤدي هذا التحول في السياسة إلى مواجهة تحديات في جمع التبرعات، لكن رودس يشير إلى أن معظم اليهود الأمريكيين سيستمرون في دعم الحزب الديمقراطي على الرغم من ذلك.
من المتوقع أن يستمر النقاش حول السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل وقطاع غزة في تصاعد خلال الأشهر المقبلة، خاصةً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وسيكون على الحزب الديمقراطي اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان سيواصل دعم إسرائيل بشكل غير مشروط، أم سيتبنى نهجًا أكثر توازناً يراعي حقوق و مصالح جميع الأطراف. التطورات في الضفة الغربية، ونتائج التحقيقات الدولية في الانتهاكات المحتملة لحقوق الإنسان في غزة، ستكون من العوامل الرئيسية التي ستحدد مسار هذه السياسة. بالإضافة إلى ذلك، سيبقى رد فعل الرأي العام الأمريكي، وخاصةً الناخبين الشباب، القضية الفلسطينية و السياسة الخارجية الأمريكية تحت المجهر.













