نجح مشروع “ري بير” (RePAIR) في استخدام أذرع روبوتية لإعادة ترميم قطع أثرية متضررة في مدينة بومبي الأثرية، مما يمثل تطوراً هاماً في مجال ترميم الآثار. وتعتمد هذه التقنية على مزيج من الذكاء الاصطناعي المتقدم، والتعرف على الصور، والروبوتات الدقيقة، بهدف تسريع عملية إعادة تجميع القطع المكسورة التي غالباً ما تستغرق وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً. وقد أظهرت التجارب الأولية نتائج واعدة أمام فرق بحثية دولية.
تكنولوجيا ترميم الآثار الروبوتية: نظرة عن قرب
بدأ مشروع “ري بير” عام 2021 كتعاون بين جهات مختلفة وجامعة كا فوسكاري في البندقية. يهدف المشروع إلى إيجاد حلول مبتكرة لتحديات الحفاظ على التراث الثقافي، خاصةً في المواقع التي تعرضت لأضرار بالغة نتيجة عوامل طبيعية أو أحداث تاريخية. وقد تم اختبار هذه التقنية مؤخراً في موقع بومبي الأثري، وذلك تحت إشراف غابرييل زوختريجل، مدير الموقع.
يقول زوختريجل أن فكرة المشروع نشأت من الحاجة الماسة لإعادة تجميع أجزاء من اللوحات الجدارية التي دمرت خلال الحرب العالمية الثانية. وهذه الحاجة دفعت الباحثين إلى استكشاف إمكانات الروبوتات والذكاء الاصطناعي في تسريع وتبسيط عملية الترميم المعقدة. بالإضافة إلى ذلك، تسعى هذه التقنية إلى تقليل المخاطر التي قد تتعرض لها القطع الأثرية الأصلية أثناء عملية الترميم.
تحديات إعادة تجميع اللوحات الجدارية
يركز الباحثون حالياً على ترميم جداريات محفوظة بشكل مجزأ في مستودعات بومبي، بما في ذلك لوحتين سقفيتين تعرضتا لأضرار كبيرة خلال ثوران بركان بومبي في عام 79 ميلادي، وتفاقمت حالتهما بسبب القصف خلال الحرب العالمية الثانية. وكشفت الدراسات أن هذه الجداريات تمثل جزءاً هاماً من فهم الحياة والثقافة في بومبي القديمة.
يعتبر خبراء الترميم مهمة إعادة تجميع هذه اللوحات الجدارية بمثابة حل لغز معقد للغاية، فبالإضافة إلى كثرة الأجزاء وتنوعها، لا تتوفر صور مرجعية كاملة للمساعدة في تحديد الشكل النهائي للوحة. ويزداد التعقيد بسبب احتمال فقدان بعض الأجزاء بشكل نهائي.
كيف تعمل الأذرع الروبوتية في ترميم الآثار؟
لتجنب إلحاق الضرر بالقطع الأثرية الأصلية، يقوم فريق البحث باختبار الأذرع الروبوتية على نسخ طبق الأصل من الشظايا المكسورة. تعتمد هذه الأذرع على تقنيات متطورة للتعرف على الصور والذكاء الاصطناعي لمطابقة الأجزاء المتشابهة بدقة عالية. ويعمل نظام الذكاء الاصطناعي على تحليل الأنماط والألوان والخطوط على الشظايا لتحديد أفضل الطرق لإعادة تجميعها.
وتعد هذه التقنية بمستقبل واعد في مجال حفظ التراث الثقافي، حيث يمكن استخدامها في ترميم مجموعة واسعة من القطع الأثرية، مثل الفخار والمنحوتات والمعادن. كما يمكن أن تساعد في توثيق القطع الأثرية بشكل أفضل وإنشاء نماذج رقمية ثلاثية الأبعاد لها. وهذا ينتج عنه فوائد جمة للباحثين والمؤسسات المعنية بالحفاظ على التاريخ.
يتيح استخدام الروبوتات في عملية إعادة البناء الأثري دقة وسرعة تفوق القدرات البشرية، مما يساهم في تسريع وتيرة العمل والحفاظ على الموارد. إن الروبوتات قادرة على العمل لساعات طويلة دون تعب أو تشتت، مما يسمح بإنجاز المهام المعقدة بشكل أكثر كفاءة. كما أن تقليل تدخل العنصر البشري يقلل من خطر التلف أو الخطأ أثناء عملية الترميم.
الخطوات المستقبلية وتوقعات المشروع
من المتوقع أن يستمر فريق البحث في تطوير وتحسين تقنية “ري بير” خلال الأشهر القادمة. ويشمل ذلك تطوير خوارزميات جديدة للذكاء الاصطناعي، وتحسين دقة الأذرع الروبوتية، وتوسيع نطاق التطبيقات المحتملة للتقنية. الهدف النهائي هو إنشاء نظام ترميم آلي بالكامل يمكنه التعامل مع مجموعة واسعة من القطع الأثرية المختلفة.
وعلى الرغم من النجاحات الأولية، يظل هناك العديد من التحديات التي يجب التغلب عليها، مثل التعامل مع القطع الأثرية المتضررة بشكل بالغ أو ذات الأشكال المعقدة. كما أن الحصول على بيانات كافية لتدريب نظام الذكاء الاصطناعي يعتبر أمراً بالغ الأهمية. وهذا يستلزم بذل جهود إضافية لجمع وتوثيق القطع الأثرية في جميع أنحاء العالم. ويعتبر هذا المشروع خطوة مهمة نحو دمج التكنولوجيا في مجال الحفاظ على التراث، ومن المتوقع أن يلعب دوراً كبيراً في حماية وإعادة ترميم المواقع الأثرية في المستقبل.













