في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية، تتزايد المخاوف بشأن إمكانية اندلاع حرب بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو). تناولت تقارير حديثة، بما في ذلك مقال نشرته صحيفة “غازيتا” الروسية للعميد المتقاعد ميخائيل خودارينوك، مدى استعداد موسكو لمواجهة عسكرية محتملة مع الحلف، مع التركيز بشكل خاص على الجاهزية النووية والمخاطر المرتبطة بالتصعيد. هذه التطورات تثير تساؤلات حول مستقبل الأمن الأوروبي والعالمي.
المقال المنشور في “غازيتا” يلقي الضوء على التصريحات المتبادلة بين روسيا والدول الأوروبية، حيث يرى الكاتب أن بعض المواقف الأوروبية قد تكون تصعيدية وتشكل تهديدًا للاستقرار. ويشير التقرير إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد استعداد بلاده للرد على أي عدوان محتمل، مع التأكيد على أن موسكو لا تسعى إلى إشعال صراع.
الاستعدادات الروسية للحرب المحتملة
وفقًا للمقال، يرى بوتين أن أوروبا قد تبادر باتخاذ إجراءات عدائية، وأن رد فعل روسيا سيكون سريعًا وحاسمًا. وقد صرح الرئيس بوتين بأنه “إذا قررت أوروبا فجأة مهاجمتنا وبدأت بذلك، فنحن مستعدون منذ الآن.” هذا التصريح يعكس قلقًا عميقًا داخل القيادة الروسية بشأن نوايا بعض الدول الأعضاء في الناتو.
تشير التقارير إلى أن روسيا تقوم بتحديث وتطوير منظومتها العسكرية، بما في ذلك ترسانتها النووية. وتأكيد بوتين على الجاهزية يعكس التزامًا قويًا بالردع الاستراتيجي، والذي يعتبره الكرملين ضروريًا لحماية مصالح روسيا الأمنية. هذا يشمل الاستثمار في تقنيات عسكرية جديدة، مثل الصواريخ فائقة السرعة.
رد فعل الناتو على التصريحات الروسية
في المقابل، قلل مسؤول رفيع المستوى في حلف الناتو من شأن قدرة روسيا على شن حرب ناجحة ضد القوى الأوروبية الموحدة. وأشار المسؤول –في تصريح لـ”بي بي سي”– إلى أن روسيا تفتقر إلى الموارد والإمكانات العسكرية اللازمة لتحقيق النصر في صراع تقليدي واسع النطاق. هذا التقييم يعكس ثقة الحلف في قدراته الدفاعية.
وأضاف المسؤول أن حلف الناتو اليوم أكثر تماسكًا من أي وقت مضى، خاصة فيما يتعلق بالدفاع عن حلفائه. وأكد أن الحلف لن يقف متفرجًا في حالة تعرض أي من أراضيه للهجوم. هذا يعزز التزام الحلف بالمادة الخامسة من معاهدة الناتو، والتي تنص على أن أي هجوم على أحد الأعضاء يعتبر هجومًا على الجميع.
الوضع في أوكرانيا كعامل مساعد
الأزمة في أوكرانيا تظل نقطة محورية في التوترات بين روسيا والناتو. ويرى بعض المحللين أن دعم الناتو لأوكرانيا قد يُنظر إليه على أنه استفزاز من قبل روسيا. ومع ذلك، يصر الحلف على أن دعمه لأوكرانيا يهدف إلى الدفاع عن مبادئ السيادة وسلامة الأراضي.
يؤكد الكاتب أن بوتين يرى أن أي تحرك من جانبه سيكون ذا طابع دفاعي بحت، وردًا مباشرًا على أي عدوان محتمل. وهو ما يتناقض مع اتهامات البعض لروسيا بالسعي إلى توسيع نفوذها في المنطقة. وتُعتبر قضية توسيع الناتو شرقاً من المسائل الحساسة بالنسبة لروسيا.
هناك جدل مستمر حول التفسير الصحيح لتصريحات بوتين. البعض يرى أنها مجرد محاولة لردع الغرب، بينما يعتبرها البعض الآخر تهديدًا حقيقيًا بالحرب. يجب النظر إلى هذه التصريحات في سياقها العام وتقييمها بعناية لتجنب سوء الفهم.
في سياق منفصل، أشار نائب رئيس مجلس الدوما الروسي بيوتر تولستوي إلى أن أي مفاوضات بشأن أوكرانيا يجب أن تستند إلى الواقع الفعلي وتفاهمات قمة ألاسكا، مؤكدًا أن الرئيس بوتين كان قد أبلغ نظيره الأمريكي دونالد ترامب خلال تلك القمة بعدم استعداد أوكرانيا أو أوروبا للمفاوضات السلمية.
تشير التوقعات إلى أن الوضع سيظل متوترًا في الأسابيع والأشهر القادمة. من المتوقع أن يستمر الناتو في تعزيز وجوده العسكري في أوروبا الشرقية، في حين من المرجح أن تواصل روسيا اختبار حدود الحلف. يبقى من المستبعد اندلاع حرب واسعة النطاق، لكن خطر التصعيد العرضي لا يزال قائمًا، مما يستدعي الحذر والدبلوماسية المستمرة.
سيتطلب التخفيف من حدة التوتر حوارًا بناءً بين جميع الأطراف المعنية. يجب على روسيا والناتو إيجاد أرضية مشتركة لمعالجة مخاوفهما الأمنية وتجنب أي إجراءات قد تؤدي إلى تفاقم الوضع. مستقبل الأمن الأوروبي يعتمد على قدرة هذه الأطراف على العمل معًا.













