أعلنت شركة فيزا العالمية عن خطط لتوسيع عملياتها في سوريا، وذلك بعد التوصل إلى اتفاق مع مصرف سوريا المركزي يهدف إلى تطوير منظومة المدفوعات الرقمية في البلاد. يأتي هذا التطور كجزء من جهود أوسع لدمج سوريا في النظام المالي العالمي بعد سنوات من العزلة، ويهدف إلى تعزيز الشفافية والشمول المالي، وتحفيز النمو الاقتصادي من خلال تسهيل عمليات الدفع الإلكتروني. هذا التوسع في خدمات الدفع الرقمية يمثل خطوة مهمة نحو تحديث البنية التحتية المالية في سوريا.
وأكد مصرف سوريا المركزي أن التركيز الأولي سيكون على التعاون مع المؤسسات المالية المرخصة لإصدار بطاقات الدفع وتفعيل المحافظ الرقمية بما يتوافق مع المعايير الدولية. ورحب عبد القادر حصرية، حاكم مصرف سوريا المركزي، بتوقيع الاتفاق مع فيزا، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تأتي بالتوازي مع خطط لإعادة إدخال خدمات ماستركارد إلى السوق السورية. وأضاف الحصرية أن الهدف هو تحويل سوريا إلى مركز مالي إقليمي.
تطوير المدفوعات الرقمية في سوريا: رؤية جديدة
تعتبر هذه الشراكة بين فيزا والمصرف المركزي السوري بمثابة نقطة تحول في قطاع المدفوعات السوري، الذي عانى من قيود كبيرة خلال فترة الحرب. تأتي هذه الخطوة بعد فترة طويلة من العزلة التي فرضت على البنوك السورية عن النظام المالي العالمي، نتيجة للعقوبات الغربية التي فرضت في أعقاب الاحتجاجات عام 2011. تهدف فيزا إلى تمكين التجار من قبول المدفوعات عبر منصة قبول فيزا، باستخدام حلول منخفضة التكلفة ومفتوحة، مما يساهم في بناء شبكة شاملة وسهلة الوصول.
وستشمل هذه الشبكة جميع القطاعات الاقتصادية، بدءًا من الشركات الناشئة وصولًا إلى المؤسسات الكبيرة، مما يتيح لهم المشاركة الكاملة في الاقتصاد الرقمي. بالإضافة إلى ذلك، ستعمل فيزا على دعم ريادة الأعمال المحلية من خلال توفير الأدوات والموارد اللازمة لبناء وتوسيع حلول دفع مبتكرة.
دور صندوق النقد الدولي في دعم الإصلاحات المالية
تأتي هذه التطورات في أعقاب زيارة وفد من صندوق النقد الدولي إلى دمشق في الشهر الماضي، حيث تم الإعلان عن تقديم مساعدة فنية لسوريا في تنظيم القطاع المالي وإعادة تأهيل أنظمة الدفع والخدمات المصرفية. ويشير هذا الدعم إلى اعتراف دولي متزايد بالحاجة إلى إصلاحات هيكلية في الاقتصاد السوري. كما سبق ذلك لقاء بين حاكم مصرف سوريا المركزي والرئيس التنفيذي لمجموعة فيزا للأسواق العالمية في واشنطن، حيث تم بحث آفاق التعاون وفرص دخول فيزا إلى السوق السورية.
من جهتها، أوضحت ليلى سرحان، نائبة الرئيس الإقليمي الأول لشركة فيزا في شمال أفريقيا والمشرق وباكستان، أن وجود نظام دفع موثوق وشفاف هو أساس التعافي الاقتصادي، وأنه محرك أساسي لتعزيز الثقة اللازمة لجذب الاستثمارات. وأكدت سرحان أن هذه الشراكة تمثل فرصة لسوريا للانتقال مباشرة إلى منصات دفع آمنة ومفتوحة، متجاوزة البنية التحتية القديمة.
تعتبر هذه الخطوات جزءًا من تحول أوسع في السياسة الدولية تجاه سوريا، حيث بدأت بعض الدول في تخفيف العقوبات الاقتصادية بعد إطاحة الرئيس بشار الأسد في ديسمبر 2024. وقد انعكس هذا التغيير في الزيارة التي قام بها الرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن، حيث التقى بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وتشمل الجهود الأخرى مذكرة تفاهم تم توقيعها في سبتمبر الماضي مع شركة ماستركارد، بهدف تطوير البنية التحتية لنظم المدفوعات الرقمية في سوريا. هذه التطورات المتسارعة تشير إلى رغبة متزايدة في إعادة دمج سوريا في الاقتصاد العالمي.
بالإضافة إلى المدفوعات الرقمية، من المتوقع أن تشمل الإصلاحات المالية السورية جهودًا لتعزيز الشفافية في القطاع المصرفي، وتحسين الرقابة على المؤسسات المالية، وتطوير قوانين ولوائح جديدة تتماشى مع المعايير الدولية. هذه الإصلاحات ستساهم في بناء نظام مالي أكثر استقرارًا وكفاءة.
وتشمل التحديات التي تواجه تطوير المدفوعات الرقمية في سوريا محدودية الوصول إلى الإنترنت، وانخفاض مستوى المعرفة المالية لدى السكان، والحاجة إلى بناء الثقة في الأنظمة الجديدة. ومع ذلك، فإن فيزا والمصرف المركزي السوري ملتزمون بمعالجة هذه التحديات من خلال الاستثمار في برامج بناء القدرات وتطوير المواهب المحلية.
من المتوقع أن تستثمر فيزا في برامج تدريبية للموظفين المحليين، وستعمل على توفير الدعم الفني والتسويقي للمؤسسات المالية والتجار. كما ستتعاون مع رواد الأعمال المحليين لتطوير حلول دفع مبتكرة تلبي احتياجات السوق السورية.
في المستقبل القريب، من المتوقع أن يتم إطلاق المرحلة الأولى من نظام المدفوعات الرقمية في سوريا، والذي سيتيح للمواطنين والشركات إجراء عمليات الدفع الإلكتروني بسهولة وأمان. وستشمل هذه المرحلة إصدار بطاقات الدفع وتفعيل المحافظ الرقمية، وتوفير شبكة واسعة من نقاط البيع التي تقبل المدفوعات الإلكترونية.
ومع ذلك، لا تزال هناك بعض المخاوف بشأن الأمن السيبراني، والحاجة إلى حماية بيانات العملاء. لذلك، ستعمل فيزا والمصرف المركزي السوري على تطبيق أحدث التقنيات الأمنية لضمان سلامة النظام.
بشكل عام، يمثل تطوير المدفوعات الرقمية في سوريا خطوة مهمة نحو تحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام. ومن المتوقع أن تساهم هذه الخطوة في تحسين مستوى المعيشة للمواطنين، وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد السوري في المنطقة والعالم.
الخطوة التالية ستكون تحديد جدول زمني مفصل لتنفيذ خطط فيزا، بما في ذلك تحديد عدد بطاقات الدفع التي سيتم إصدارها، وعدد المحافظ الرقمية التي سيتم تفعيلها، وعدد نقاط البيع التي سيتم تجهيزها. كما سيكون من المهم مراقبة تطورات الوضع السياسي والأمني في سوريا، وتقييم تأثيرها على تنفيذ هذه الخطط.













