أنقرة – دخلت تركيا في مفاوضات متقدمة مع البنك الدولي لتأمين تمويل يصل إلى 6 مليارات دولار، وذلك كجزء من خطة شاملة لتحديث شبكة الكهرباء الوطنية. تهدف هذه الخطة الطموحة إلى تعزيز قدرة الشبكة على استيعاب الزيادة المتوقعة في إنتاج الطاقة المتجددة وتقليل الاعتماد على واردات الوقود الأحفوري، مما يعزز أمن الطاقة في البلاد.
أُعلن عن هذه الخطوة الهامة في 24 نوفمبر الماضي، عقب اجتماع بين وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار ووفد رفيع المستوى من البنك الدولي في أنقرة. وقد اتفق الطرفان على صياغة حزمة تمويلية أولية تركز على توسيع خطوط النقل ذات الجهد العالي، والتي تعتبر أساسية لربط مصادر الطاقة المتجددة بالشبكة الوطنية.
أهمية تحديث شبكة الكهرباء الوطنية
تأتي هذه الجهود في سياق رؤية تركيا الطموحة للتحول الطاقي، والتي تتضمن مضاعفة قدرتها الإنتاجية من مصادر الرياح والطاقة الشمسية لتصل إلى 120 غيغاواط بحلول عام 2035، مقارنة بنحو 30 غيغاواط حاليًا. يتطلب تحقيق هذا الهدف استثمارًا كبيرًا في البنية التحتية لنقل الطاقة، بما في ذلك تحديث وتوسيع شبكة الكهرباء الحالية.
تعتمد استراتيجية “التحول إلى الطاقة النظيفة 2035” التي أطلقتها وزارة الطاقة والموارد الطبيعية على تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وخفض الانبعاثات الكربونية. بالإضافة إلى الطاقة المتجددة، تشمل الاستراتيجية أيضًا التوسع في الطاقة النووية، مع خطط لإنشاء محطتين نوويتين جديدتين، بالإضافة إلى مشروع محطة أكويو النووية قيد التنفيذ.
الطلب المتزايد على الكهرباء
يزداد الطلب المحلي على الكهرباء في تركيا بشكل ملحوظ. فقد تضاعف استهلاك الطاقة الكهربائية في البلاد ثلاث مرات خلال العقدين الماضيين، ومن المتوقع أن يستمر هذا الارتفاع مع تزايد استخدام الكهرباء في قطاعات النقل والصناعة والخدمات. وهو ما يبرر الحاجة الملحة لتحديث البنية التحتية للطاقة.
تسعى الحكومة التركية إلى أن يساهم التوسع في مصادر الطاقة المتجددة في تحقيق الاستقلال الطاقي، وخفض تكاليف الواردات، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي. ومع ذلك، فإن تحقيق هدف 120 غيغاواط من الطاقة المتجددة بحلول عام 2035 يتطلب إضافة ما بين 7 و 8 غيغاواط سنويًا، وهو تحدٍ تقني واستثماري كبير.
استثمارات ضخمة ودعم دولي متجدد
تشير تقديرات وزارة الطاقة التركية إلى أن تحديث شبكة الكهرباء الوطنية بما يتماشى مع أهداف عام 2035 سيتطلب استثمارات تقدر بنحو 28 مليار دولار خلال العقد القادم. وهذا الرقم يتوافق مع دراسات البنك الدولي، التي تؤكد ضرورة إنفاق ما لا يقل عن 2.5 مليار دولار سنويًا لتأهيل الشبكة.
تتضمن خطة التحديث إنشاء حوالي 15 ألف كيلومتر من خطوط الضغط العالي الجديدة، بالإضافة إلى 14700 كيلومتر من خطوط التيار المباشر عالي الجهد. كما تشمل بناء عشرات المحطات التحويلية عالية السعة وتحديث أنظمة المراقبة والتحكم الرقمية لضمان كفاءة وموثوقية الشبكة.
يعكس الاتفاق التمويلي المحتمل مع البنك الدولي تحسن جاذبية الاقتصاد التركي للمؤسسات المالية الدولية بعد فترة من التقلبات. وقد ساهمت التغييرات الإيجابية في إدارة الاقتصاد الكلي وتعزيز استقلالية السياسة النقدية، بالإضافة إلى ترقيات التصنيف الائتماني الأخيرة، في تعزيز ثقة المستثمرين.
تكامل إقليمي في قطاع الطاقة
يُنظر إلى تحديث شبكة الكهرباء التركية على أنه خطوة استراتيجية نحو تعزيز موقع تركيا كممر إقليمي لتبادل الكهرباء بين دول آسيا وأوروبا. وتشير جيران بيلتكين، وهي باحثة متخصصة في شؤون الطاقة، إلى أن هذا التكامل يتطلب إصلاحات تنظيمية وتعاونًا سياسيًا عبر الحدود.
وتؤكد بيلتكين أن التمويل الدولي يوفر ليس فقط الدعم المالي، ولكن أيضًا معايير تخطيط وحوكمة صارمة تضمن موثوقية المشروع وجاذبيته للمستثمرين. كما تشير إلى أن الموقع الجغرافي لتركيا يجعلها مرشحة لتكون نقطة وصل رئيسية بين أسواق الطاقة الإقليمية.
تشير التوقعات إلى أن تركيا ستواصل جهودها لتأمين استثمارات إضافية في قطاع الطاقة، حيث تقدر الحاجة الإجمالية إلى حوالي 80 مليار دولار إضافية بحلول عام 2053 لتحقيق هدف الحياد الكربوني. ومن المتوقع أن تركز الجهود المستقبلية على تطوير مشاريع الطاقة المتجددة وتوسيع نطاق التعاون الإقليمي في هذا المجال.
الخطوة التالية التي يجب مراقبتها هي الموافقة الرسمية على حزمة التمويل من قبل البنك الدولي والبرلمان التركي. بالإضافة إلى ذلك، يجب متابعة التقدم المحرز في الإصلاحات التنظيمية اللازمة لتسهيل الاستثمار في قطاع الطاقة وتشجيع التكامل الإقليمي.













