إسطنبول – تشهد تركيا تحولاً ملحوظاً في استراتيجيتها الطاقية، حيث تتجه نحو زيادة الاستثمار المباشر في حقول النفط والغاز الأمريكية، في خطوة تهدف إلى تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الغاز الروسي. يأتي هذا التوجه بالتزامن مع سعي أنقرة لتصبح مركزاً إقليمياً لتجارة الغاز، مما يعزز دورها في سوق الطاقة العالمي.
أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار عن دخول شركة البترول التركية في مفاوضات متقدمة مع شركات أمريكية كبرى مثل شيفرون وإكسون موبيل للاستحواذ على حصص في مشاريع التنقيب والإنتاج. وتهدف هذه الخطوة إلى بناء سلسلة قيمة متكاملة في قطاع الغاز، بدءًا من الإنتاج في الولايات المتحدة وصولاً إلى تلبية الطلب المحلي، وتحسين أمن الطاقة في تركيا.
التوجه التركي نحو الغاز الأميركي وتأثيره على السوق
يعكس هذا التحول في السياسة الطاقية التركية رغبة قوية في تقليل الاعتماد على روسيا كمورد رئيسي للغاز الطبيعي. فقد انخفضت حصة الغاز الروسي في السوق التركية إلى أقل من 40%، بعد أن كانت تتجاوز 50% في السنوات السابقة. وتسعى أنقرة إلى تنويع مصادرها لتشمل الولايات المتحدة، وتركمنستان، ومصر، وغيرها.
وقد شهدت واردات تركيا من الغاز المسال زيادة ملحوظة، حيث بلغت 5.2 مليون طن منذ بداية العام الحالي، مقارنة بـ 3.98 مليون طن خلال عام 2024 بأكمله. وتخطط تركيا لاستقبال حوالي 1500 شحنة من الغاز الأمريكي خلال العقد القادم، مما يعزز من مكانة الولايات المتحدة كمورد رئيسي للطاقة في تركيا.
عقود طويلة الأجل وتعاون إقليمي
تعتمد تركيا على عقود طويلة الأجل مع الولايات المتحدة، مرتبطة بمؤشر “هنري هب” لتسعير الغاز الطبيعي، مما يضمن استقرار الأسعار على المدى الطويل. بالإضافة إلى ذلك، تعمل أنقرة على تعزيز التعاون الإقليمي في قطاع الغاز، من خلال مباحثات مع المغرب ومصر لتطوير البنية التحتية وتسهيل عمليات التصدير وإعادة التصدير.
تستعد تركيا لاستئجار وحدة عائمة لإعادة تغييز الغاز في مصر خلال أشهر الصيف، لمساعدة القاهرة في تغطية العجز الموسمي في إمدادات الغاز. كما تجري مفاوضات مع المغرب لاستئجار وحدة مماثلة، مما يعزز من دور تركيا كمركز إقليمي لتجارة الغاز.
تحديات وفرص مستقبلية
على الرغم من الفرص الواعدة التي يتيحها هذا التحول، إلا أن هناك بعض التحديات التي تواجه تركيا. يشير المحللون إلى أن الاعتماد المتزايد على عقود مسعرة بالدولار قد يزيد من حساسية الاقتصاد لتقلبات أسعار الصرف. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى تطوير البنية التحتية وتنظيم سوق الغاز بشكل كامل لضمان الشفافية والكفاءة.
ومع ذلك، فإن نجاح تركيا في ترسيخ مكانتها كمركز إقليمي لتجارة الغاز يمكن أن يحولها من مستهلك للطاقة إلى وسيط رئيسي، مما يعزز من اقتصادها ويحسن من مكانتها في السوق العالمية. كما أن تنويع مصادر الإمداد يقلل من المخاطر المرتبطة بالاعتماد على مورد واحد.
تعتبر الطاقة المتجددة أيضاً من المجالات التي تستثمر فيها تركيا بشكل متزايد، كجزء من استراتيجية شاملة لتحقيق أمن الطاقة والاستدامة البيئية. وتشمل هذه الاستثمارات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية.
من المتوقع أن تعلن تركيا عن اتفاقيات استثمارية جديدة مع شركات أمريكية خلال الأسابيع القادمة، مما يعزز من التعاون الثنائي في قطاع الطاقة. وستراقب الأسواق عن كثب تطورات هذه المفاوضات وتأثيرها على أسعار الغاز وتوازن العرض والطلب في المنطقة. كما ستكون التطورات السياسية والاقتصادية في كل من روسيا وإيران ذات تأثير كبير على استراتيجية الطاقة التركية في المستقبل.













