مع استمرار التنافس التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين، تستعد بكين لفرض قيود على حصول شركاتها على أحدث معالجات الذكاء الاصطناعي، وعلى رأسها معالجات H200 من شركة نفيديا الأمريكية. يأتي هذا الإجراء على الرغم من موافقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على السماح بتصدير هذه المعالجات إلى “عملاء معتمدين” في الصين، مما يعكس تعقيدات العلاقة بين البلدين في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
يعكس هذا التحرك المشترك صراعًا متعدد الأوجه، يجمع بين حماية الأمن القومي الأمريكي من النفوذ التكنولوجي الصيني، وبين سعي الصين لتعزيز الاكتفاء الذاتي في صناعة أشباه الموصلات وتقليل الاعتماد على المصادر الخارجية. وتأتي هذه الخطوة في وقت حرج يشهد فيه قطاع التكنولوجيا العالمي تحولات جذرية.
قيود صينية محتملة على معالجات الذكاء الاصطناعي H200
أفادت صحيفة فايننشال تايمز بأن الجهات التنظيمية الصينية تدرس إلزام الشركات بتقديم طلبات موافقة رسمية مسبقة وشرح أسباب عدم قدرة المعالجات المحلية على تلبية احتياجاتها. بالإضافة إلى ذلك، هناك توجه نحو منع القطاع العام من شراء هذه المعالجات بهدف دعم الشركات الصينية المنافسة، دون اتخاذ قرار نهائي حتى الآن.
وتسعى بكين إلى استغلال القيود الأمريكية المفروضة في عهد الرئيس جو بايدن لدفع قطاع الرقائق الإلكترونية المحلي نحو تطوير بدائل تنافسية. ويشمل ذلك تكثيف الفحص الجمركي وتقديم الدعم المالي لمراكز البيانات التي تعتمد على معالجات محلية الصنع.
ضغوط من نفيديا وتباين داخل واشنطن
جاء قرار ترامب بعد حملة ضغط قوية قادتها نفيديا، حيث دعا الرئيس التنفيذي للشركة، جنسن هوانغ، في سبتمبر/أيلول إلى “ضمان وصول التكنولوجيا إلى جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الصين”. وأكدت نفيديا أن هذا القرار يحقق توازنًا مدروسًا يخدم مصالح أمريكا.
ووفقًا لتقارير إعلامية أمريكية، وافق ترامب على السماح لشركة نفيديا ببيع معالجات H200 إلى الصين مقابل حصول الحكومة الأمريكية على 25% من عائدات هذه المبيعات. ويشمل هذا الاتفاق أيضًا شركات أمريكية أخرى مثل AMD.
ومع ذلك، يواجه هذا القرار معارضة من بعض المتشددين في مجال الأمن القومي في الكونغرس الأمريكي، الذين يعربون عن قلقهم بشأن انتقال التكنولوجيا المتقدمة إلى الجيش الصيني. ويشير باحثون في مركز الأمن والتقنيات الناشئة بجامعة جورج تاون إلى أن الوصول إلى معالجات عالية الجودة يمكن أن يعزز قدرة الصين على تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي لأغراض عسكرية.
المعادن النادرة وتقليل الاعتماد على الغرب
يرى بعض الخبراء أن قرار السماح ببيع معالجات H200 قد يمنح الولايات المتحدة فرصة للتفاوض بشأن نفوذ الصين في مجال المعادن الأرضية النادرة، والتي تعتبر ضرورية لصناعة الإلكترونيات على مستوى العالم. وتعتبر الصين المنتج الرئيسي لهذه المعادن، مما يمنحها نفوذاً كبيراً في سلسلة التوريد العالمية.
في المقابل، تواصل الصين جهودها لتقليل اعتمادها على التكنولوجيا الغربية، خاصة بعد أن طلبت الحكومة من الشركات المحلية التوقف عن شراء معالج H20 الأقل أداءً وتشجيع استخدام البدائل الوطنية. وتشير التقارير إلى أن الشركات الصينية الكبرى مثل علي بابا وبايت دانس وتينسنت لا تزال تفضل معالجات نفيديا بسبب أدائها العالي وسهولة صيانتها.
سوق ضخم ومخاوف من جدوى المبيعات
تمثل الصين سوقًا ضخمًا لمعالجات نفيديا، تقدر قيمتها بحوالي 50 مليار دولار. ومع ذلك، يرى بعض المحللين أن معالج H200 أقل قوة من أحدث جيل من معالجات نفيديا، مما قد يدفع بعض الشركات الصينية إلى التردد في شرائه. كما أن القيود المحتملة التي تفرضها الصين قد تؤثر على حجم المبيعات.
يبقى مستقبل مبيعات نفيديا في الصين غير واضح في ظل تشديد بكين على تقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأمريكية. ومن المتوقع أن تشهد الأشهر القادمة مزيدًا من التطورات في هذا الصدد، مع احتمال فرض قيود إضافية أو التوصل إلى اتفاقيات جديدة بين البلدين. ويجب مراقبة رد فعل الشركات الصينية على القيود الجديدة، وكذلك تطورات قطاع أشباه الموصلات المحلي في الصين، لتقييم تأثير هذه التطورات على المدى الطويل. كما أن تطورات العلاقة السياسية بين الولايات المتحدة والصين ستلعب دورًا حاسمًا في تحديد مستقبل صناعة الرقائق.













