دمشق – أثارت مسابقة أطلقتها وزارة الثقافة السورية لكتابة وتلحين النشيد الوطني الجديد جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك بعد إعلانها في الثاني عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2025. جاء الإعلان بالتزامن مع ذكرى تحرير سوريا، لكن سرعان ما واجه انتقادات تتعلق بصيغة الإعلان، والوقت المخصص للمشاركة، وحتى جوانب دستورية محتملة.
وقد أعلنت الوزارة عن المسابقة بهدف استبدال النشيد الوطني الحالي، الذي يعود إلى حقبة سابقة، بنشيد يعكس الواقع الحالي لسوريا. تضمنت المسابقة مرحلتين: الأولى لتلقي النصوص الشعرية، والثانية لتلقي الألحان، مع تحديد مهلة نهائية في الحادي والثلاثين من ديسمبر/كانون الأول. هذا الإجراء أثار تساؤلات حول مدى واقعية الجدول الزمني، خاصةً مع تعقيد عملية تأليف نشيد وطني.
جدل حول النشيد الوطني وشروط المسابقة
تراوحت الانتقادات بين المطالبة بتمديد المهلة الزمنية، والتشكيك في معايير التقييم، وتقديم اعتراضات على صلاحية الوزارة لطرح مثل هذه المسابقة دون الرجوع إلى السلطات التشريعية. أشار العديد من المعلقين إلى أن ثلاثة أسابيع فترة قصيرة جداً لكتابة وتلحين عمل فني بهذا الأهمية.
كما أثار شرط اعتماد المقامات الموسيقية الشرقية السورية (نهاوند، حجاز، رست) في الألحان المقدمة جدلاً. اعتبر البعض هذا الشرط تقييداً للإبداع، بينما رأى فيه آخرون محاولة للحفاظ على الهوية الموسيقية السورية الأصيلة.
في البداية، وضعت الوزارة معايير صارمة للنص الشعري، بما في ذلك الفصاحة والجزالة، والرمزية، والوزن والإيقاع، والوضوح والجماهيرية. أما بالنسبة للّحن، فاشترطت الأصالة، والقوة التعبيرية، والقابلية للأداء الجماعي، والعالمية.
تعديلات على الشروط وتمديد المهلة
استجابةً للانتقادات الواسعة، أعلنت وزارة الثقافة السورية عن تعديلات على بعض شروط ومعايير المسابقة. وقالت الوزارة في منشور على صفحتها الرسمية في فيسبوك، يوم الأربعاء الموافق 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، أنها قامت بحذف الشرط المتعلق بالمقامات الموسيقية، ووضعت دليلاً إرشادياً يتضمن بريداً إلكترونياً للاستعلام والمقترحات.
وبالتالي، تم تخفيف القيود على الألحان المقدمة، مما يتيح للملحنين حرية أكبر في التعبير عن أفكارهم. كما أن توفير قناة للتواصل والاستفسار يعكس رغبة الوزارة في أخذ آراء المشاركين بعين الاعتبار.
بالإضافة إلى ذلك، قررت الوزارة تمديد المهلة المخصصة لتسليم النصوص الشعرية في المرحلة الأولى، دون تحديد مدة التمديد بشكل دقيق. هذا التمديد يمنح الشعراء المزيد من الوقت لإعداد أعمالهم وتقديمها بجودة عالية.
تساؤلات حول الجانب الدستوري
لم يقتصر الجدل على الجوانب الفنية والإجرائية للمسابقة، بل امتد ليشمل تساؤلات حول مدى صلاحية وزارة الثقافة لاتخاذ قرار بتغيير النشيد الوطني. يرى بعض القانونيين أن هذا القرار يتطلب موافقة مجلس الشعب أو قراراً رسمياً من أعلى السلطة في البلاد، نظراً لأهمية النشيد الوطني كرمز من رموز الدولة.
أشار المحامي أحمد خياطة إلى أن تغيير النشيد الوطني يمس السيادة الوطنية، ويتطلب إجراءات دستورية وقانونية محددة. وأعرب عن قلقه من أن المسابقة قد تكون محاولة للالتفاف على هذه الإجراءات.
في المقابل، يرى آخرون أن الوزارة تمتلك الصلاحية لإطلاق مبادرات ثقافية تهدف إلى تطوير الرموز الوطنية، وأن المسابقة تعتبر خطوة إيجابية في هذا الاتجاه. أكد منعم هلال على أهمية وجود نشيد وطني يعكس الواقع السوري الحالي، وأعرب عن استعداده لتقبل النشيد الجديد إذا تم اختياره بشكل ديمقراطي.
النشيد السوري: تاريخ من التغييرات
مر النشيد الوطني السوري بتغييرات عديدة على مر العقود. اعتُمد أول نشيد وطني سوري في عام 1938، وهو “حماة الديار” الذي كتب كلماته خليل مردم بك ولحنه الأخوان فليفل. ظل هذا النشيد قائماً حتى إعلان الوحدة بين سوريا ومصر في عام 1958، حيث تم استبداله بنشيد “والله زمان يا سلاحي”.
بعد انفصال سوريا عن مصر في عام 1961، عاد النشيد “حماة الديار” ليصبح النشيد الوطني الرسمي. يعكس هذا التاريخ المتغير أهمية النشيد الوطني كرمز للهوية والانتماء، وكيف يمكن أن يتغير هذا الرمز بتغير الظروف السياسية والاجتماعية.
الخطوات القادمة والمستقبل
من المتوقع أن تستمر وزارة الثقافة في تلقي النصوص الشعرية والألحان المقدمة للمسابقة، بعد تمديد المهلة الزمنية وتعديل بعض الشروط. سيتم تشكيل لجنة تحكيم لتقييم الأعمال المقدمة واختيار أفضلها.
يبقى من غير الواضح حتى الآن ما إذا كان النشيد الجديد سيتم اعتماده رسمياً من قبل السلطات التشريعية، أو ما إذا كانت المسابقة ستؤدي إلى نقاش أوسع حول الرموز الوطنية السورية. يجب متابعة تطورات هذا الموضوع لمعرفة ما إذا كانت المسابقة ستنجح في تحقيق هدفها المتمثل في استبدال النشيد الوطني الحالي بنشيد يعكس الواقع السوري الجديد.













