الدوحة – في ظل تزايد المخاوف العالمية بشأن انتشار الفساد وتأثيره المدمر على التنمية والاستقرار، تستضيف الدوحة أعمال الدورة الحادية عشرة لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، تحت شعار “تشكيل نزاهة الغد”. يهدف المؤتمر، الذي افتتحه الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، إلى تعزيز التعاون الدولي وتبادل الخبرات في مكافحة هذه الظاهرة العابرة للحدود.
يشارك في المؤتمر، الذي يستمر حتى 19 ديسمبر/كانون الأول، أكثر من 2500 شخصية بارزة من بينهم رؤساء دول ووزراء ومسؤولو أجهزة إنفاذ القانون وهيئات النزاهة، بالإضافة إلى خبراء وممثلي منظمات دولية وإقليمية. وتشير تقديرات أممية إلى أن الحد من الفساد يمكن أن يرفع الإيرادات الضريبية العالمية بنحو تريليون دولار، ومع ذلك لا يزال واحد من كل خمسة أشخاص حول العالم يتعرض لطلب رشوة عند تعامله مع مسؤولين عموميين.
أهمية مكافحة الفساد في السياق العالمي
تأتي هذه الدورة في وقت حرج يشهد فيه العالم تحديات اقتصادية واجتماعية متزايدة، مما يجعل مكافحة الفساد أكثر أهمية من أي وقت مضى. فالفساد لا يعيق التنمية المستدامة فحسب، بل يؤدي أيضًا إلى تفاقم عدم المساواة، وتقويض المؤسسات الديمقراطية، وتأجيج الصراعات.
وأكد رئيس هيئة الرقابة الإدارية والشفافية بقطر، حمد بن ناصر المسند، أن المؤتمر يمثل فرصة لتجديد الالتزام الجماعي بمكافحة الفساد، وتوسيع آفاق التعاون الدولي، خاصة في ظل التحديات المتسارعة التي تفرضها الجرائم المالية المعقدة والتقنيات الرقمية الحديثة.
التركيز على استرداد الأصول والوقاية
تولي الدورة الحالية اهتمامًا خاصًا بقضية استرداد الأصول المسروقة نتيجة للفساد، والتي تعتبر من أهم أولويات الاتفاقية. ويشكل المنتدى العالمي لسلسلة إجراءات استرداد الأصول جزءًا رئيسيًا من أعمال المؤتمر، حيث يناقش التحديات القانونية والعملية التي تواجه الدول في استعادة أموالها المختلسة.
بالإضافة إلى ذلك، يركز المؤتمر على تعزيز آليات الوقاية من الفساد، من خلال تعزيز الشفافية والمساءلة، وتطوير القوانين واللوائح ذات الصلة، وتمكين المجتمع المدني من لعب دور فعال في الرقابة ومكافحة الفساد. وتشمل هذه الجهود أيضًا تعزيز النزاهة في القطاع العام والخاص، وتطبيق أفضل الممارسات في مجال الحوكمة.
دور التكنولوجيا في مكافحة الفساد
يشهد المؤتمر نقاشات حول دور التكنولوجيا، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة، في الكشف عن قضايا الفساد ومنعها. ومع ذلك، هناك أيضًا قلق بشأن استخدام التكنولوجيا من قبل الفاسدين لغسل الأموال وتمويل الأنشطة الإجرامية. لذلك، من الضروري وضع أطر تنظيمية مناسبة لضمان استخدام التكنولوجيا بشكل فعال في مكافحة الفساد.
تحديات مستمرة وتعاون دولي
على الرغم من التقدم المحرز في مكافحة الفساد على المستوى العالمي، لا تزال هناك العديد من التحديات التي تواجه الدول. وتشمل هذه التحديات تعقيد شبكات الفساد العابرة للحدود، وصعوبة الحصول على الأدلة اللازمة لإدانة المتورطين، وضعف التعاون الدولي في مجال تبادل المعلومات والمساعدة القانونية المتبادلة.
وفي هذا السياق، أكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في كلمة مسجلة، على أهمية عقد العزم على مكافحة الإفلات من العقاب، مشيرًا إلى أن كل دولار يذهب إلى الفساد هو حق مسلوب من الأجيال القادمة. وشددت رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنالينا بيربوك، على أن مكافحة الفساد هي مسؤولية جماعية لا تقبل التأجيل.
الخطوات التالية والمستقبل
من المتوقع أن يعتمد المؤتمر 11 مشروع قرار في ختام أعماله، والتي ستحدد أولويات مكافحة الفساد العالمية في المرحلة المقبلة. وتشمل هذه القرارات تعزيز التعاون الدولي في مجال استرداد الأصول، وتطوير آليات الوقاية من الفساد، وتمكين المجتمع المدني من لعب دور فعال في الرقابة ومكافحة الفساد.
يبقى من المهم مراقبة مدى التزام الدول بتنفيذ هذه القرارات، وتحويل الالتزامات السياسية إلى إصلاحات ملموسة على أرض الواقع. كما يتطلب الأمر استمرار الحوار والتعاون بين جميع أصحاب المصلحة، من أجل بناء عالم أكثر نزاهة وعدالة.













