كان معبر باب الهوى على الحدود السورية التركية شاهداً على تحولات جذرية في المشهد السوري خلال الأيام القليلة الماضية. مع سيطرة فصائل الثوار على مدن رئيسية مثل حلب وحماة ودرعا، وانهيار نظام بشار الأسد، برز اسم أسعد الشيباني، وزير الخارجية الجديد في سوريا، كلاعب رئيسي في إعادة تشكيل البلاد على الساحة الدولية. فبعد سنوات من الصراع، يشهد السلوك السياسي الجديد في سوريا تحولا نحو الدبلوماسية النشطة والسعي لإقامة علاقات مع مختلف الأطراف، بما في ذلك تلك التي كانت تعتبر معادية في السابق.
أعلنت هيئة تحرير الشام سيطرتها على حماة، ليتجه الأنظار نحو حمص، المعقل الرئيسي المتبقي للنظام. وعلى الرغم من التوقعات بسقوطها، تمكنت مفاوضات سرية قادها الشيباني من إقناع روسيا بالتخلي عن دعم النظام، مما فتح الطريق أمام تقدم الثوار واحتلالهم للعاصمة دمشق. هذا السيناريو المذهل يعيد تعريف المشهد السياسي في المنطقة ويثير تساؤلات حول مستقبل سوريا.
الدبلوماسية السورية الجديدة: دور أسعد الشيباني
أسعد الشيباني، المعروف سابقاً بأسماء مستعارة عديدة مثل زيد العطار، لم يكن مجرد مقاتل في صفوف المعارضة السورية، بل أيضاً مهندس سياسي بارع. وقد لعب دوراً محورياً في التواصل مع القوى الإقليمية والدولية، وشرح أهداف الثورة السورية ومواقفها. فبينما كانت المعركة تدور رحاها على الأرض، كان الشيباني يقود جهوداً دبلوماسية حثيثة لإقناع العالم بضرورة التغيير في سوريا.
من الجبهة القتالية إلى طاولة المفاوضات
تدرج الشيباني في العمل الثوري، بدءًا من تأسيس جبهة النصرة، مروراً بالعمل القيادي في هيئة تحرير الشام، وصولاً إلى منصبه كوزير للخارجية. وقد سمح له هذا التدرج بتكوين فهم عميق للديناميكيات الداخلية والخارجية للصراع السوري. وقد استغل هذا الفهم في بناء علاقات مع مختلف الأطراف، وتقديم رؤية سياسية متوازنة ومقنعة.
التواصل مع روسيا: نقطة تحول
كان الاجتماع السري الذي عقده الشيباني مع مسؤولين روس رفيعي المستوى في باب الهوى بمثابة نقطة تحول رئيسية في مسار الثورة السورية. وقد نجح الشيباني في إقناع الروس بأن مستقبلهم في سوريا لا يرتبط ببقاء نظام الأسد، وأنهم يمكن أن يحققوا مصالحهم من خلال التعاون مع الحكومة الجديدة. وقد أدى هذا الإقناع إلى انسحاب روسيا من دعم النظام، وفتح الطريق أمام سقوط دمشق.
أما الآن، وبعد استتباب الأمن وعودة الحياة إلى طبيعتها في المدن السورية المحررة، يسعى الشيباني إلى إقامة علاقات دبلوماسية قوية مع مختلف دول العالم. وقد زار واشنطن وبكين وموسكو وأنقرة، وعقد لقاءات مع مسؤولين رفيعي المستوى. ويهدف الشيباني من خلال هذه الزيارات إلى الحصول على اعتراف دولي بالحكومة السورية الجديدة، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وإعادة بناء سوريا.
تعتمد السياسة الخارجية السورية الجديدة على مبدأ “سوريا أولاً”، والذي يعني أن المصالح السورية هي الأولوية القصوى في جميع القرارات السياسية. كما أنها تقوم على مبدأ “الغموض البناء”، والذي يعني أن سوريا تحتفظ بحقها في اتخاذ مواقف مستقلة، دون الانخراط في محاور أو تحالفات ثابتة. وقد أثارت هذه السياسة بعض الانتقادات، لكنها تعتبر ضرورية لحماية مصالح سوريا في ظل الظروف الإقليمية والدولية المعقدة.
برز التعاون مع تركيا كأحد أهم جوانب السياسة الخارجية السورية الجديدة. فقد اتفقت سوريا وتركيا على تنسيق الجهود لمكافحة الإرهاب، وحماية الحدود، وضبط ملف اللاجئين. كما اتفقتا على استئناف العلاقات الاقتصادية، وإطلاق مشاريع مشتركة في مجالات الطاقة والنقل والزراعة. وهذا الشراكة تعكس تفاهمًا استراتيجيًا يخدم مصالح البلدين.
يتضح من خلال هذه التحولات أن سوريا تشهد ولادة نظام سياسي جديد، يرتكز على الدبلوماسية الحكيمة، والبراغماتية الواقعية، والسعي لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. ورغم التحديات الكبيرة التي لا تزال تواجه سوريا، فإن الإنجازات التي حققها الشيباني وفريقه تبعث على الأمل في مستقبل أفضل.
في الوقت الحالي، تتركز الجهود الدبلوماسية السورية على إقناع الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات المفروضة على البلاد، واستئناف تقديم المساعدات الإنسانية والاقتصادية. ومن المتوقع أن يلعب الشيباني دوراً محورياً في هذه المساعي، من خلال استغلال علاقاته الجيدة مع مختلف العواصم الأوروبية. يُتوقع أيضاً أن تشارك سوريا بفعالية في الجهود الدولية لإعادة إعمار المناطق المتضررة من الحرب. وسيكون على الحكومة السورية الجديدة أن تتعامل مع ملفات معقدة، مثل عودة اللاجئين، وإزالة الألغام، وإقامة مشاريع البنية التحتية. وسيتطلب ذلك تعاوناً وثيقاً مع المجتمع الدولي.
يبقى السؤال الأهم هو ما إذا كانت سوريا الجديدة ستتمكن من الحفاظ على استقلالها، وتحقيق مصالحها، في ظل الضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة. هذا هو التحدي الأكبر الذي ينتظر الشيباني وفريقه في المرحلة القادمة.













