أعلنت السعودية عن السماح للأجانب المقيمين بشراء الكحول بشكل محدود، في خطوة تهدف إلى جذب السياحة والاستثمار، وتعتبر تحولاً ملحوظاً في السياسات الاجتماعية والاقتصادية للمملكة. هذا الإجراء، الذي بدأ العمل به بهدوء، يمثل جزءاً من رؤية أوسع للتنويع الاقتصادي والانفتاح على العالم.
تطورات بيع الكحول في السعودية: نافذة جديدة للمقيمين
بدأ السماح ببيع الكحول في السعودية بشكل غير رسمي في الحي الدبلوماسي بالرياض، حيث شهد المتجر الوحيد المخصص لذلك إقبالاً كبيراً من قبل الأجانب. في البداية، اقتصر البيع على الدبلوماسيين غير المسلمين، ولكن تم توسيع نطاقه ليشمل أيضاً حاملي الإقامة المميزة (“Premium Residency”)، وهي الإقامة التي تمنح للأجانب ذوي المهارات العالية والمستثمرين ورجال الأعمال.
هذا التوسع يتماشى مع الإصلاحات التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي تهدف إلى تحديث المجتمع السعودي وجذب الاستثمارات الأجنبية. وتشمل هذه الإصلاحات أيضاً تطوير قطاع السياحة، وتنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط.
القيود والإجراءات الأمنية
على الرغم من هذا الانفتاح المحدود، لا يزال بيع الكحول مقيداً للغاية. يقتصر البيع على متجر واحد في الحي الدبلوماسي، ويخضع لإجراءات أمنية صارمة. تشمل هذه الإجراءات حظر استخدام الهواتف الذكية داخل المتجر، وتفتيش دقيق للمقتنيات الشخصية، بما في ذلك النظارات، وفقاً لتقارير إعلامية.
بالإضافة إلى ذلك، يواجه حاملو الإقامة المميزة أسعاراً مرتفعة ولا يستفيدون من الإعفاء الضريبي على القيمة المضافة الذي يتمتع به الدبلوماسيون. كما يشكو بعض الزوار من محدودية الخيارات المتاحة من أنواع الجعة والنبيذ.
السياحة البديلة وتصنيع محلي محدود
بسبب القيود المفروضة على بيع الكحول في السعودية، يلجأ العديد من السعوديين والزوار إلى دول مجاورة مثل البحرين، حيث يسمح القانون ببيع المشروبات الكحولية للجميع. تستقبل البحرين أعداداً كبيرة من الزوار من السعودية ودول الخليج، خاصة في عطلات نهاية الأسبوع والمناسبات الخاصة.
في المقابل، يلاحظ البعض لجوءاً إلى السوق السوداء أو المشروبات الكحولية المصنعة محلياً بشكل غير قانوني. ومع ذلك، برزت أيضاً ثقافة المشروبات الخالية من الكحول كبديل شائع، حيث يحرص الشباب على تجربة أنواع البيرة “الحلال” في المهرجانات والفعاليات المختلفة.
جذور الحظر وتوقعات المستقبل
يعود حظر الكحول في السعودية إلى أوائل خمسينيات القرن الماضي، بعد حادثة أدت إلى وفاة نائب القنصل البريطاني في جدة. وقد أدت هذه الحادثة إلى تبني المملكة سياسة منع شاملة للمشروبات الكحولية، استمرت لعقود.
هذه الخطوة الأخيرة، على الرغم من محدوديتها، تعتبر بمثابة اختبار لتقييم مدى إمكانية تخفيف القيود على الكحول في المستقبل. من المتوقع أن تواصل الحكومة السعودية مراقبة الوضع وتقييم تأثيره على المجتمع والاقتصاد قبل اتخاذ أي قرارات أخرى. وسيكون من المهم مراقبة ردود الفعل المحلية والدولية، بالإضافة إلى أي تغييرات في السياسات المتعلقة بالسياحة والاستثمار.
تبقى رؤية مستقبل بيع الكحول في السعودية غير واضحة تماماً، ولكن هذه الخطوة تشير إلى رغبة في التكيف مع التغيرات العالمية وتلبية احتياجات جزء من السكان، مع الحفاظ على القيم الدينية والثقافية للمملكة. من المرجح أن يتم إجراء المزيد من التعديلات على السياسات المتعلقة بالمشروبات الكحولية في السنوات القادمة، ولكن من غير المرجح أن يتم رفع الحظر بشكل كامل في المستقبل القريب. السياحة و الاستثمار الأجنبي هما المحركان الرئيسيان لهذه التغييرات، وسيكون من الضروري متابعة تطورات هذه القطاعات لتقييم المسار الذي ستسلكه المملكة في هذا الصدد.













