على مر العقود، أثار موضوع **الأجسام الطائرة المجهولة** فضول العلماء والجمهور على حد سواء. فمنذ ظهور أولى التقارير عن مشاهدات غريبة في السماء، بدأت الجهود الرامية إلى فهم هذه الظواهر الغامضة. دراسة جديدة تسعى إلى إلقاء الضوء على هذا الملف من خلال تحليل صور فلكية قديمة، ربما تكشف عن أصول هذه الأجسام وتفسر سلوكها.
تستند الدراسة إلى فحص دقيق لآلاف الألواح الزجاجية الفوتوغرافية التي التقطها مرصد بالومار في كاليفورنيا بين عامي 1949 و1958، أي قبل حقبة الأقمار الصناعية. تهدف هذه الألواح، التي تمثل أرشيفًا فلكيًا قيمًا، إلى توثيق السماء والنجوم بشكل دقيق، ولكنه يكشف الآن عن ومضات ضوئية غير مفسرة.
عصر ما قبل الأقمار الصناعية والأجسام الطائرة المجهولة
قبل إطلاق سبوتنيك-1 عام 1957، كانت الألواح الزجاجية الفوتوغرافية هي الأداة الرئيسية في علم الفلك لتسجيل صور السماء بتفاصيل عالية. تعتمد هذه الألواح على مادة حساسة للضوء لتسجيل الأشعة القادمة من النجوم والمجرات، مما يتيح للفلكيين حفظ الصور لفترات طويلة. ومع ذلك، فإن هذه الألواح كانت عرضة للعيوب مثل الخدوش والغبار، مما أثار تساؤلات حول دقة البيانات التي قدمتها.
أظهرت الدراسة الحالية ظهور ومضات ضوئية عابرة في 310 ليلة مختلفة، وفي بعض الأيام، رُصدت آلاف هذه الومضات. المثير للدهشة أن هذه الومضات بدت وكأنها تختفي تمامًا، ولم يتم رصدها مرة أخرى في أي مسح فلكي لاحق. وهذا النمط الغريب دفع الباحثين إلى البحث عن تفسيرات محتملة.
ارتباط الومضات بالتجارب النووية
أشارت التحليلات إلى وجود ارتباط هام بين توقيت ظهور هذه الومضات والتجارب النووية الجوية التي أجريت خلال الحرب الباردة. وتبين أن الومضات كانت أكثر بنسبة 45٪ قرب أيام التفجيرات النووية، وأن الزيادة في تقارير الأجسام الطائرة المجهولة كانت تتزامن مع زيادة عدد الومضات. ويعتبر هذا الارتباط إحصائيًا هامًا، ولكنه لا يثبت بالضرورة علاقة سببية.
وفقًا للباحثين، قد تكون التفجيرات النووية قد أدت إلى قذف مواد معدنية أو غبار مشع إلى طبقات عليا من الغلاف الجوي، مما أدى إلى ظهور هذه الومضات الضوئية المؤقتة. ومع ذلك، يبقى هذا التفسير مجرد فرضية تحتاج إلى مزيد من التحقق.
التفسيرات المحتملة الأخرى
بالإضافة إلى الارتباط بالتجارب النووية، طرح الباحثون تفسيرات أخرى للومضات. من بين هذه التفسيرات وجود آليات فلكية نادرة لم يتم توثيقها بشكل جيد في منتصف القرن الماضي، أو عيوب في الألواح الزجاجية التي قد تخلق أنماطًا وهمية. لكن التفسير الأكثر إثارة للجدل هو أن الومضات قد تكون مرتبطة بـ **الأجسام الطائرة المجهولة**، وهو ما يثير تساؤلات حول طبيعتها وأصلها.
التحفظ والتأييد: ردود الفعل على الدراسة
لم تخلُ الدراسة من ردود فعل متباينة بين العلماء. فقد دعا بعض الفلكيين، مثل مايكل غاريت من جامعة مانشستر، إلى الحذر في التعامل مع البيانات التاريخية، مشددين على محدودية جودتها واحتمالية وجود عيوب في الألواح الأصلية. واقترحوا إعادة فحص الألواح تحت المجهر ومقارنة النتائج بمصادر أرشيفية أخرى.
في المقابل، أعرب ديفيد ويندت من جامعة كولومبيا عن حماسه للدراسة، واعتبرها خطوة مهمة نحو قبول دراسة الأجسام الطائرة المجهولة كموضوع بحثي علمي. وأشار إلى أن هذه الدراسة قد تفتح الباب أمام مزيد من التحقيقات الأكاديمية والتغطية الإعلامية المسؤولة لهذه الظواهر الغامضة.
تعتمد الدراسة الحالية على تحليل الصور الموجودة في الأرشيف، ومن المنتظر أن يقوم الفريق البحثي بفحص الألواح الأصلية تحت المجهر في الأشهر القادمة. سيوفر هذا الفحص مزيدًا من التفاصيل حول طبيعة الومضات ويساعد في تقييم مدى صحة الفرضيات المطروحة. يبقى تحديد أصل هذه الومضات وتفسير سلوكها تحديًا كبيرًا يتطلب مزيدًا من البحث والتحليل.
من المهم الإشارة إلى أن مصطلح “ظواهر جوية غير محددة” (UAP) أصبح شائعًا في السنوات الأخيرة، خاصة بعد تقارير وزارة الدفاع الأمريكية. هذا التحول في المصطلحات يعكس محاولة للتعامل مع هذه الظواهر بطريقة أكثر علمية وموضوعية. ومع ذلك، لا يزال الغموض يحيط بهذه الظواهر، ولا توجد حتى الآن تفسيرات قاطعة لها.













