يشهد جنوب إقليم كردفان في السودان تصاعدًا خطيرًا في القتال، مما تسبب في قصف مكثف ومعاناة إنسانية واسعة النطاق، بما في ذلك المجاعة. مع اقتراب قوات الدعم السريع من المنطقة، تزداد المخاوف من تكرار الفظائع التي شهدتها دارفور، مما يزيد من تعقيد الوضع ويؤثر على حياة المدنيين. هذا التدهور الأمني له تداعيات كبيرة على مستقبل الحرب في السودان.
وقدمت مراسلة “تايمز” البريطانية، جين فلاناغان، تقريرًا مفصلًا عن الوضع المأساوي في مدينتي كادوقلي والدلنج، حيث يواجه السكان نقصًا حادًا في الغذاء والخوف الدائم من القصف. وتصف فلاناغان حالة الرعب التي يعيشها سكان كادوقلي من احتمال سيطرة قوات الدعم السريع على مدينتهم.
الحرب في السودان وتمركزها في كردفان
يُعد إقليم كردفان، المكون من ولايات شمال وغرب وجنوب، نقطة محورية في الصراع الدائر. تكمن أهميته الاستراتيجية في موقعه الذي يربط بين معقل الدعم السريع في إقليم دارفور والعاصمة الخرطوم، الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني. وبالتالي، تتركز المعارك حاليًا في كردفان بعد أن امتدت إلى ولايات أخرى مثل الجزيرة، وسنار، والنيل الأزرق، والنيل الأبيض.
ويعاني المدنيون المحاصرون في المناطق الواقعة بين خطوط المواجهة، بمن فيهم سكان كادوقلي والدلنج والبلدات المجاورة، من القصف المستمر ونقص الغذاء والموارد الأساسية. وقد أدت هذه الظروف المأساوية إلى نزوح جماعي للسكان.
تاريخ من الصراع يتكرر
أعلنت الأمم المتحدة عن حالة مجاعة في كادوقلي في سبتمبر الماضي، وحذر فولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، من أن التاريخ يعيد نفسه في كردفان. هذا التحذير يأتي في أعقاب تقارير عن فظائع جماعية في الفاشر، حيث تتهم قوات الدعم السريع بارتكاب جرائم قد تصل إلى الإبادة الجماعية.
ولاية جنوب كردفان تشهد معارك عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بالإضافة إلى قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان – قطاع الشمال بقيادة عبد العزيز الحلو. وتساهم هذه الفصائل المتعددة في تعقيد المشهد القتالي.
بالإضافة إلى ذلك، تسيطر قوات الدعم السريع على أجزاء واسعة من كردفان، بما في ذلك مدن رئيسية على طول طرق الإمداد الحيوية المؤدية إلى الخرطوم. هذا الوضع يزيد من صعوبة وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين ويؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية.
تأثير الانقسامات الداخلية و التدخلات الاجنبية
مع سيطرة قوات الدعم السريع على دارفور، والجيش السوداني على وسط وشمال وشرق البلاد، يبدو السودان منقسمًا فعليًا. يظهر طرف ثالث في شخص قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان، معلناً عن مناطق نفوذ خاصة به. هذا الانقسام يهدد بتمزيق البلاد ويجعل من الصعب التوصل إلى حل سياسي شامل.
يشير تقرير “تايمز” إلى تورط مرتزقة أجانب في الصراع من كلا الجانبين، حيث يتألفون بشكل رئيسي من مقاتلين من دول أفريقية مثل إريتريا وتشاد، بالإضافة إلى جنود كولومبيين سابقين يعملون لصالح قوات الدعم السريع. هذا التدخل الخارجي يزيد من تعقيد الحرب ويطيل أمدها.
على الرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة للوفيات، تشير التقديرات إلى أن عدد القتلى تجاوز 150 ألف شخص. كما تقدر الأمم المتحدة أن حوالي 13 مليون شخص نزحوا بسبب الأزمة في السودان، مما يجعلها أكبر أزمة إنسانية في العالم.
من المتوقع أن تتصاعد حدة القتال في كردفان خلال الأسابيع القادمة، حيث يسعى كل طرف إلى تعزيز موقعه قبل أي مفاوضات محتملة. وسيكون من الضروري مراقبة تطورات الوضع الإنساني عن كثب، وتقييم مدى تأثير التدخلات الخارجية على مسار الصراع السوداني. الأزمة الإنسانية المتفاقمة و الانقسامات العميقة بين الفصائل المتناحرة تزيد من حالة عدم اليقين بشأن مستقبل السودان. وتبقى أي حلول سياسية معلقة على قدرة الأطراف المتنازعة على إعطاء الأولوية للمصالح الوطنية على المكاسب الفردية.













