يتعثر التقدم نحو المرحلة الثانية من اتفاق غزة، رغم مرور فترة زمنية معتبرة على بدء تنفيذ المرحلة الأولى، في ظل تصاعد المؤشرات التي تشير إلى أن الجمود ليس تقنياً بحتاً، بل يرتبط بشكل كبير بالحسابات السياسية الداخلية الإسرائيلية والشروط المتزايدة التي تضعها إسرائيل لاستكمال الاتفاق. هذا التأخير يثير تساؤلات حول مستقبل الهدنة وجهود إغاثة قطاع غزة، ويضع الضغوط على الوسطاء الدوليين.
وفي هذا السياق، يرى المحلل السياسي عادل شديد أن إسرائيل تواجه خيارين صعبين: إما العودة إلى حرب شاملة وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة، أو الالتزام الكامل بوقف إطلاق النار مع ما يحمله ذلك من تبعات سياسية داخلية. وتعتبر قضية نزع السلاح من أهم القضايا الشائكة التي تعيق التقدم في المفاوضات.
تأخر المرحلة الثانية: حسابات إسرائيلية معقدة
تشير التقارير إلى أن حكومة بنيامين نتنياهو تسعى إلى إدارة الوضع في غزة من خلال عمليات محدودة وانتهاكات محسوبة، بهدف إظهار أنها لم تتوقف عن الحرب بشكل كامل. هذه الاستراتيجية تهدف إلى الحفاظ على توازن هش بين الضغوط الدولية والاحتياجات السياسية الداخلية.
ويرى شديد أن الحكومة الإسرائيلية الحالية غير قادرة على الاعتراف بعدم تحقيق أهدافها في الحرب، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات. وفي الوقت نفسه، تخشى أن يؤدي الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق إلى تفكك الائتلاف الحاكم، مما يجعل إبقاء الوضع القائم في غزة خياراً أقل تكلفة سياسياً.
أهداف إسرائيل من نزع السلاح
لا يقتصر تمسك إسرائيل بملف نزع سلاح المقاومة على اعتبارات أمنية فقط، بل يمتد ليشمل هدفاً سياسياً أوسع نطاقاً. تسعى إسرائيل إلى تفريغ قطاع غزة من السلاح الخفيف، بهدف خلق حالة من الفوضى الداخلية وتقويض سلطة حماس.
وتشير بعض المصادر إلى أن إسرائيل قد تسعى إلى تسليح مجموعات مليشيات أخرى في غزة، بهدف تفكيك البنية الداخلية للمجتمع الفلسطيني ودفع القطاع نحو الانهيار، مما يخدم في نهاية المطاف مشروع التهجير. هذه الاستراتيجية تثير قلقاً بالغاً لدى الأطراف الفلسطينية والدول العربية.
الضغوط الدولية والجهود الدبلوماسية
على الصعيد السياسي، توقع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق قد يتم في الأسابيع الأولى من عام 2026. يعكس هذا التوقع حالة من التفاؤل الحذر بشأن إمكانية التوصل إلى حلول مقبولة لدى جميع الأطراف.
في المقابل، نقلت القناة الـ13 الإسرائيلية عن مصادر قولها إن المبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف أبلغ المسؤولين الإسرائيليين بضرورة الانتقال إلى المرحلة الثانية في بداية الشهر المقبل. تؤكد هذه الضغوط الأميركية على أهمية التوصل إلى اتفاق دائم يضمن الاستقرار في المنطقة.
يربط بعض المسؤولين في واشنطن، مثل توماس واريك، الانتقال إلى المرحلة الثانية بملف نزع السلاح، معتبرين أنه المدخل الأساسي لاستكمال بقية الخطوات، بما في ذلك انسحاب الجيش الإسرائيلي من “الخط الأصفر” ونشر قوات دولية لحفظ الاستقرار.
الخلاف حول شروط المرحلة الثانية
في المقابل، يرى الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا أن جوهر الأزمة يكمن في عدم التزام إسرائيل ببنود الاتفاق، وخاصة في مرحلته الأولى. ويشير إلى تسجيل نحو 900 خرق إسرائيلي خلال شهرين، شملت عمليات قتل وقصف، مما أدى إلى استشهاد أكثر من 300 فلسطيني.
ويؤكد القرا أن نزع السلاح ليس بنداً منفصلاً أو شرطاً مسبقاً، بل هو جزء من حزمة قضايا مطروحة للمرحلة الثانية، تشمل إدارة قطاع غزة وفتح المعابر وإدخال مستلزمات الإيواء وسفر الجرحى والمرضى. ويعتبر أن إسرائيل تستخدم هذا الملف كذريعة لإطالة أمد المرحلة الأولى والتهرب من استحقاقات المرحلة الثانية.
الوضع الإنساني في غزة يزداد سوءاً مع استمرار الحصار وتقييد حركة المساعدات. هذا الأمر يزيد من الضغوط على إسرائيل للالتزام ببنود الاتفاق والسماح بإدخال المساعدات بشكل كامل.
من المتوقع أن تشهد الأيام القادمة مزيداً من الجهود الدبلوماسية للضغط على إسرائيل للالتزام ببنود الاتفاق والانتقال إلى المرحلة الثانية. ومع ذلك، لا يزال هناك العديد من العقبات التي تعيق التقدم، بما في ذلك الخلافات حول ملف نزع السلاح وشروط الانسحاب الإسرائيلي. يبقى الوضع في غزة هشاً وغير مستقر، ويتطلب جهوداً مكثفة من جميع الأطراف لضمان الاستقرار الدائم.












