تضطلع مصانع البروتين في خلايانا – ما يسمى بالريبوسومات – بمهمة حيوية؛ حيث ترتبط الأحماض الأمينية معًا وفقًا للحمض النووي الريبوزي الرسول (mRNA) خلال عملية تُعرف بالترجمة، لتشكيل سلسلة ببتيدية تنمو وتطوى لاحقًا لتصبح بروتينًا وظيفيًا. هذه العملية المعقدة، وتحديدًا دور مركب الببتيد الوليد المرتبط (NAC) في تنظيمها، كانت محورًا لأبحاث حديثة كشفت عن تفاصيل جديدة حول كيفية ضمان إنتاج بروتينات سليمة وعملها بشكل صحيح.
نشرت هذه النتائج، التي توصل إليها فريق بحثي بقيادة عالم الأحياء نيناد بان في المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ (ETH)، في مجلة Science Advances، وتلقي الضوء على الآلية التي ينظم بها NAC نضوج البروتين من خلال استقطاب إنزيمات محددة في الوقت والمكان المناسبين. هذا الاكتشاف يفتح آفاقًا جديدة لفهم أعمق لعمليات تصنيع البروتين وعلاقتها بالأمراض، بما في ذلك السرطان.
التقاط الإنزيمات المناسبة في الوقت المناسب: دور مركب الببتيد الوليد المرتبط
يقع مركب الببتيد الوليد المرتبط تحديدًا عند النقطة التي تخرج منها السلاسل الببتيدية المصنعة حديثًا من الريبوسوم، مما يجعله في موقع مثالي لتنسيق خطوات المعالجة الأولية. يتكون NAC من بروتينين يشكلان نواة مركزية كروية الشكل مع أربعة امتدادات مرنة للغاية، مما يمنحه مظهرًا يشبه الأخطبوط على المستوى الجزيئي.
أحد هذه الأذرع يثبت مركب الببتيد الوليد المرتبط بالريبوسوم، بينما تستطيع الجزيئات الثلاثة الأخرى الارتباط بمجموعة واسعة من الإنزيمات والعوامل الجزيئية الأخرى المشاركة في إنتاج البروتين. تشمل هذه الإنزيمات جزيئات توجه البروتينات لإدخالها في الأغشية الخلوية.
تعديل الهستونات: وظيفة جديدة لـ NAC
كشفت دراسة بان وزملاؤه عن وظيفة جديدة لـ NAC: ضمان التعديل الكيميائي الصحيح للهستونات H4 وH2A أثناء تصنيعها. الهستونات هي بروتينات صغيرة وفيرة يجب إنتاجها بسرعة عندما تستعد الخلايا للانقسام. تتجمع ثماني هستونات لتكوين النيوكليوسومات، التي يلتف حولها الحمض النووي (DNA) ليتم ضغطه.
يعد التعديل الكيميائي لهذه البروتينات أثناء تصنيعها أمرًا بالغ الأهمية لوظيفة الكروموسومات السليمة، ويمكن أن تسهم الأخطاء في الإصابة بأمراض مثل السرطان. أظهر الباحثون أن NAC ينقل إنزيمين إلى الريبوسوم، حيث يقوم الأول بإزالة الحمض الأميني الأول من بروتين الهيستون، ثم يعدل الطرف المكشوف حديثًا بمجموعة أسيتيل. يجب أن تحدث هاتان الخطوتان بالتسلسل الصحيح وبشكل فوري تقريبًا نظرًا لسرعة بناء الهيستونات.
فهم جديد جذري لتخليق البروتين وأهميته العلاجية
يؤكد الباحثون أن هذه النتائج تغير نظرتنا إلى تخليق البروتين، وتظهر مدى التنسيق والديناميكية التي تتسم بها العمليات في الريبوسوم. يحدد مركب الببتيد الوليد المرتبط، بهذا المعنى، وتيرة إنتاج جزء كبير من البروتين في خلايانا.
تشير دراسات أخرى إلى أن إنزيم NatD، المسؤول عن تعديل بروتينات الهيستون بمجموعة الأسيتيل، يفرط في إنتاجه في أنواع معينة من السرطان، مما يغير تنظيم الجينات ويعزز نمو الورم. لذا، فإن تحكم NAC في وصول إنزيم NatD إلى الريبوسوم قد يقدم رؤى جديدة حول بيولوجيا الأورام. قد تساهم المعلومات البنيوية المفصلة حول NAC والإنزيمات التي يستقطبها في تطوير علاجات جديدة تستهدف هذه العمليات.
تتضمن هذه الإستراتيجيات المحتملة أدوية تعيق سطح تفاعل NatD أو تمنع استقطابه إلى الريبوسومات أثناء عملية الترجمة. كما يمكن أن تستفيد أمراض أخرى ناتجة عن خلل في المعالجة أثناء الترجمة من هذه النتائج. تخليق البروتين هو عملية أساسية للحياة، وفهم آلياته المعقدة أمر بالغ الأهمية لتطوير علاجات جديدة للأمراض المختلفة.
من المتوقع أن تركز الأبحاث المستقبلية على استكشاف كيفية دمج NAC في استراتيجيات علاجية تستهدف اضطرابات تخليق البروتين. سيشمل ذلك دراسة تفاعلات NAC مع الإنزيمات الأخرى وتحديد الأهداف الدوائية المحتملة. من المرجح أن يستغرق تحديد هذه الأهداف وتطوير علاجات فعالة عدة سنوات، ولكن النتائج الأولية واعدة للغاية.













