بيروت – مع اقتراب نهاية العام، تشهد أسواق بيروت انتعاشًا ملحوظًا، وإن كان محدودًا، في محاولة لإحياء الحركة الاقتصادية المتضررة بشدة على مدى السنوات الماضية. هذا النشاط الاقتصادي الموسمي يأتي في ظل تحديات كبيرة، بما في ذلك تداعيات الأزمة المالية المستمرة والتوترات الإقليمية، لكنه يمثل بصيص أمل للتجار والمستهلكين على حد سواء.
تستقطب الأسواق آلاف الزوار يوميًا، مستفيدة من الأجواء الاحتفالية وتكاليف الدخول المجانية، مما يشجع العائلات على التسوق وقضاء الوقت. ومع ذلك، يراقب الاقتصاديون عن كثب مدى تأثير هذا الانتعاش المؤقت على الاقتصاد اللبناني الأوسع، خاصة في ظل غياب إجراءات دعم مستدامة.
الأسواق الموسمية ودورها في تحريك الاقتصاد
يُعد موسم الأعياد تقليديًا فترة حيوية للتجارة في لبنان، حيث تعود أعداد كبيرة من المغتربين لزيارة عائلاتهم والمشاركة في الاحتفالات. هذا التدفق السياحي والمالي يوفر دفعة قصيرة الأجل للقطاعات المختلفة، بما في ذلك المطاعم والفنادق والمتاجر.
يشير الخبير الاقتصادي عماد عكوش إلى أن هذه الأسواق تساهم في ضخ سيولة محدودة ولكنها ضرورية في السوق المحلية، خاصة وأن القطاع التجاري يعاني من ركود حاد. وأضاف أن إقبال السياح والمغتربين يرفع من حجم الإنفاق اليومي، مما ينعش قطاعي المطاعم والفنادق بشكل ملحوظ.
تحديات تواجه الانتعاش الاقتصادي
على الرغم من الإقبال الواضح، يواجه هذا الانتعاش تحديات كبيرة. يرى الخبير الاقتصادي أنيس أبو دياب أن الحركة السياحية والتجارية الحالية لا تعكس تعافيًا اقتصاديًا حقيقيًا، بل هي مجرد نشاط موسمي محدود الأثر. وأشار إلى أن الأزمة المالية المستمرة منذ عام 2019 لا تزال تلقي بظلالها على الاقتصاد اللبناني.
بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع معدلات التضخم، التي تتراوح حاليًا بين 15 و16%، يزيد من الأعباء المعيشية على المواطنين ويقلل من قدرتهم الشرائية. هذا يعني أن جزءًا كبيرًا من الفوائد الناتجة عن هذا النشاط الاقتصادي لا يصل إلى الشرائح الأقل دخلًا.
الإنفاق الحذر وتوقعات المستقبل
يصف التجار الوضع الحالي بأنه “متباين”. ففي حين أن هناك إقبالًا على الأسواق، إلا أن الإنفاق لا يزال حذرًا. ريان، صاحبة محل لبيع المصنوعات التراثية، أعربت عن قلقها بشأن القدرة الشرائية المتدنية للزبائن، مشيرة إلى أن الأجواء الاحتفالية لا تعكس بالضرورة زيادة في المبيعات.
في المقابل، أعرب آخرون مثل مايا، التي تبيع إكسسوارات، عن تفاؤلهم بالحركة الإيجابية التي يشهدونها، معتبرين أن هذه الفعاليات توفر مساحة للتنفس وسط الظروف الصعبة. القطاع السياحي في لبنان بشكل عام يشهد تحسنًا طفيفًا، لكنه لا يزال بعيدًا عن مستويات ما قبل الأزمة.
أحمد، وهو بائع ساعات وعطور، يرى أن هذه الفعاليات مهمة لأنها تخرج الناس من أجواء الحرب والأزمة، وتمنحهم فرصة للاستمتاع ببعض الأمل والتفاؤل. ومع ذلك، يقر بأنه لا يزال من السابق لأوانه تحديد ما إذا كان هذا الانتعاش سيكون مستدامًا.
مؤشرات إيجابية رغم الظروف
تشير التقديرات إلى دخول حوالي 400 ألف وافد إلى لبنان خلال هذا الشهر، وهو رقم جيد قياسًا بالظروف السائدة. نسب الحجوزات الفندقية في بيروت بلغت حوالي 80%، في حين سجلت ضواحي العاصمة وجبل لبنان والمناطق الأخرى 60%.
ومع ذلك، يشدد الخبراء على أن هذه المؤشرات يجب أن تُفهم في سياق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها لبنان. الخزينة اللبنانية بحاجة ماسة إلى إيرادات إضافية، لكن التهرب الضريبي وضعف تطبيق القوانين يعيقان تحقيق ذلك.
في الختام، يمثل الانتعاش الاقتصادي الموسمي في أسواق بيروت فرصة محدودة للتخفيف من وطأة الأزمة، لكنه لا يزال غير كافٍ لتحقيق تعافٍ حقيقي ومستدام. من المتوقع أن يستمر هذا النشاط حتى نهاية العام، لكن المستقبل الاقتصادي للبنان يعتمد على تنفيذ إصلاحات هيكلية شاملة ومعالجة الأسباب الجذرية للأزمة. يجب مراقبة تطورات الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في لبنان عن كثب، حيث أنها ستحدد مسار التعافي في الأشهر والسنوات القادمة.













