أظهرت دراسة علمية حديثة أن تربية الكلاب قد يكون لها تأثير إيجابي على الصحة النفسية للإنسان، وأن هذا التأثير قد يكون مرتبطًا بالتغيرات في الميكروبيوم – مجتمع الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش في أجسامنا – نتيجة التفاعل المستمر مع هذه الحيوانات الأليفة. تشير النتائج إلى وجود ما يشبه “جسرًا ميكروبيًا” يعزز التعاطف والسلوك الاجتماعي الإيجابي لدى البشر.
نشر الباحثون نتائجهم في مجلة “آي ساينس” (iScience)، حيث اكتشفوا أن الأطفال الذين يربون الكلاب يظهرون اختلافات في تركيب الميكروبيوم الفموي مقارنة بأقرانهم الذين لا يملكون حيوانات أليفة. هذه الاختلافات قد تفسر بعض الفوائد النفسية المعروفة لتربية الكلاب.
تأثير الكلاب على الميكروبيوم والصحة النفسية
حللت الدراسة عينات من الميكروبيوم الفموي لأكثر من 130 طفلاً، نصفهم يربون الكلاب والنصف الآخر لا يملكون حيوانات أليفة. ركزت الدراسة على الميكروبيوم الفموي لأنه يمثل نقطة اتصال مباشرة بين الإنسان والكلب، ويمكن أن يعكس التفاعلات الميكروبية المتبادلة.
على الرغم من أن التنوع الإجمالي للكائنات الحية الدقيقة كان متشابهًا بين المجموعتين، إلا أن الباحثون لاحظوا اختلافات ملحوظة في أنواع البكتيريا الموجودة. ووجدوا أن الأطفال الذين يربون الكلاب لديهم مستويات أعلى من أنواع معينة من البكتيريا المرتبطة بتحسين المزاج وتقليل القلق.
السلوك الاجتماعي الإيجابي والكلاب
للتأكد من أن هذه التغييرات في الميكروبيوم لها تأثير سلوكي، قام الباحثون بنقل الميكروبيوم من الأطفال الذين يربون الكلاب إلى فئران المختبر. أظهرت الفئران التي تلقت هذه الميكروبات زيادة في السلوك الاجتماعي الإيجابي، مثل قضاء المزيد من الوقت في التفاعل مع الفئران الأخرى.
أوضح الدكتور تاكيفومي كيكوسوي، مدير فريق البحث من جامعة أزابو في اليابان، أن هذه النتائج تشير إلى أن التفاعل مع الكلاب يمكن أن يغير الميكروبيوم بطرق تعزز الصحة النفسية. وأضاف أن البكتيريا التي تم تحديدها في الميكروبيوم قد تلعب دورًا في تنظيم الاستجابات العاطفية وتعزيز التعاطف.
تتفق هذه النتائج مع دراسات سابقة أظهرت أن الأشخاص الذين نشأوا مع الكلاب يميلون إلى إظهار مستويات أعلى من التعاطف والقدرة على بناء علاقات اجتماعية قوية. تشير الأبحاث إلى أن التعرض المبكر للكلاب يمكن أن يؤثر على تطور الدماغ وأنظمة الاستجابة العاطفية.
يرى خبراء الصحة النفسية أن هذه الدراسة تضيف بعدًا جديدًا لفهم العلاقة المعقدة بين الإنسان والحيوان. فبالإضافة إلى الفوائد العاطفية المعروفة، مثل الشعور بالرفقة وتقليل الشعور بالوحدة، يبدو أن تربية الكلاب يمكن أن يكون لها تأثير مباشر على البيولوجيا الدقيقة للجسم وبالتالي على الصحة النفسية.
ومع ذلك، يؤكد الباحثون أن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لتحديد الآليات الدقيقة التي تربط بين الميكروبيوم والصحة النفسية. كما أنهم يخططون لإجراء دراسات طويلة الأمد لتقييم التأثيرات المستمرة لتربية الكلاب على الميكروبيوم والسلوك الاجتماعي.
من المتوقع أن يتم نشر نتائج إضافية من هذه الأبحاث في غضون عامين، مما قد يوفر رؤى أعمق حول الدور الذي يلعبه الميكروبيوم في الصحة النفسية للإنسان والحيوان على حد سواء. في الوقت الحالي، تشير الأدلة المتزايدة إلى أن تربية الكلاب يمكن أن تكون لها فوائد متعددة تتجاوز مجرد الرفقة، وتستحق المزيد من الاستكشاف العلمي.













