في عالم يشهد صراعات متزايدة وأزمات جيوسياسية، أصبح التعليم أداة حماية أساسية للأطفال، وليس مجرد حق. تسعى مؤسسة “التعليم فوق الجميع” القطرية، إلى توفير هذا الحق، حيث أعلنت مؤخرًا عن وصول برامجها إلى 14.5 مليون طفل محروم حول العالم، في محاولة لتمكينهم من مستقبل أفضل. يمثل هذا الجهد الدولي جهودًا متزايدة لحماية حق الأطفال في التعلم في ظل الظروف الصعبة.
تبرز أهمية هذه المبادرة في سياق التحديات العالمية المتزايدة التي تعيق حصول الأطفال على التعليم. وتركز المؤسسة بشكل خاص على المناطق المتضررة من النزاعات، والكوارث الطبيعية، والفقر المدقع، حيث يواجه الأطفال صعوبات جمة في الوصول إلى المدارس والموارد التعليمية.
التعليم.. فعل “حماية”
تؤكد الجازي حسن درويش، مدير إدارة الاتصال والمشاركة في مؤسسة “التعليم فوق الجميع”، أن “التعليم يجب ألا يكون أبدًا ضحية للأزمات”. وتشير إلى أن المؤسسة تعتبر التعليم خط الدفاع الأول في حالات الطوارئ، حيث يوفر الاستقرار النفسي، ويساعد الأطفال على استعادة شعورهم بالحياة الطبيعية، ويمنحهم الأمل في المستقبل.
يساهم استمرار التعليم في منع التجنيد القسري للأطفال في الجماعات المسلحة، والحد من زواج القاصرات والاستغلال، ومنحهم المهارات اللازمة لإعادة بناء مجتمعاتهم. هذا التمكين ضروري لضمان مستقبل مستقر ومزدهر في المناطق التي مزقتها الحروب والنزاعات. بالإضافة إلى ذلك، يوفر التعليم فرصة للشباب لتطوير قدراتهم والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلدانهم.
جرس إنذار.. تراجع الدعم الدولي
على الرغم من هذه الإنجازات، دقّت الجازي درويش ناقوس الخطر بشأن الانخفاض الملحوظ في المساعدات الإنمائية الرسمية المخصصة للتعليم. وبحسب بيانات حديثة، انخفضت هذه المساعدات بنسبة 7.1% في عام 2024، مما يهدد بتقويض الجهود المبذولة لضمان حصول جميع الأطفال على التعليم الجيد.
يُظهر تحليل للبيانات أن حصة التعليم من إجمالي المساعدات الإنمائية تراجعت من 9.3% في عام 2019 إلى 7.6% في عام 2022. هذا الانخفاض يؤثر بشكل مباشر على جودة التعليم المقدم للأطفال المحرومين، ويؤدي إلى نقص في الموارد، والدعم النفسي، والمعلمين المؤهلين، خاصة في مناطق الأزمات مثل اليمن، والسودان، وغزة.
هذا النقص في التمويل قد يجبر المنظمات على التركيز على مجرد توسيع نطاق الوصول إلى التعليم بدلًا من تحسين جودته، واللجوء إلى حلول مؤقتة بدلًا من الاستثمارات المستدامة. هذا بدوره قد يؤدي إلى تفاقم الفجوة التعليمية بين الأغنياء والفقراء، وتقويض جهود بناء السلام والتنمية المستدامة. فالاستثمار في التعليم ليس مجرد مسألة إنسانية، بل هو استثمار استراتيجي في مستقبل أفضل للجميع.
غزة.. إعادة الأمل
فيما يتعلق بقطاع غزة، الذي يعاني من تداعيات مدمرة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أطلقت مؤسسة “التعليم فوق الجميع” خطة استجابة شاملة في ديسمبر 2023، تهدف إلى توفير الدعم العاجل للأطفال المتضررين. تضمنت هذه الخطة حزمة “إعادة الأمل” التي استهدفت أكثر من 233 ألف فلسطيني، وقدمت لهم المساعدة النفسية والإغاثية، بالإضافة إلى فرص التعليم والتدريب.
وقد خصصت المؤسسة 100 منحة دراسية في تخصصات حيوية مثل الطب والهندسة والتكنولوجيا، لمساعدة الشباب الفلسطيني على اكتساب المهارات اللازمة للمساهمة في إعادة إعمار غزة. كما أطلقت المؤسسة في مايو 2025 المرحلة الثانية من مشروع “إعادة الأمل” الذي يستهدف طلاب الثانوية العامة، من خلال إنشاء 100 مركز تعليمي مجهز بالإنترنت والطاقة، لضمان استكمالهم لمسيرتهم التعليمية.
لا يقتصر دور المؤسسة على توفير التعليم الأساسي، بل يمتد أيضًا إلى تمكين الشباب اقتصاديًا، من خلال دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتوفير فرص العمل. وقد ساهمت المؤسسة في تمكين أكثر من 3.3 مليون شاب حول العالم، من خلال برامج التدريب والتأهيل المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، أطلقت المؤسسة منصة “ديجي-وايز” لتعليم اليافعين مهارات التفكير النقدي ومكافحة التضليل الرقمي.
بناء شراكات عالمية
تعتمد مؤسسة “التعليم فوق الجميع” على نموذج “التمويل المشترك” بالتعاون مع المؤسسات الدولية الكبرى، مثل البنك الدولي، والبنك الإسلامي للتنمية، ومنظمات الأمم المتحدة. ويتيح هذا النموذج للمؤسسة تجميع الموارد المالية من مصادر متعددة، وتنفيذ مشاريع تعليمية واسعة النطاق، بشكل أكثر فعالية واستدامة.
وتؤكد المؤسسة على أهمية الشفافية والمساءلة في إدارة الموارد المالية، وضمان وصول المساعدات إلى الفئات المستهدفة. وتدعو المؤسسة إلى تقاسم المسؤولية المالية في دعم التعليم، وتعمل على بناء شراكات قوية مع جميع الأطراف المعنية.
من المتوقع أن تواصل مؤسسة “التعليم فوق الجميع” جهودها في توفير التعليم الجيد للأطفال المحرومين حول العالم، في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه هذا القطاع الحيوي. من المهم متابعة تطورات الوضع الإنساني العالمي، وتقييم الأثر الفعلي للمساعدات الإنمائية على تحسين جودة التعليم، وضمان حصول جميع الأطفال على فرص متساوية للتعلم والنمو.













