مع اقتراب نهاية عام 2025، لا يزال البحث العلمي العربي يواجه تحديات هيكلية مزمنة تعيق تقدمه، ويصبح الحديث عن إيجاد حلول دائمة أمراً متكرراً مع كل عام جديد. ورغم اختلاف الأولويات بين الباحثين، يتفق الجميع على أهمية دعم العقول العربية المتميزة، وتوفير البيئة المناسبة لإطلاق إمكاناتها، ومعالجة قضايا مثل هجرة الكفاءات، وتمويل المشاريع، وتبسيط الإجراءات الإدارية.
ويرى خبراء ومختصون أن معالجة هذه التحديات يتطلب جهوداً متضافرة من الحكومات والمؤسسات التعليمية والقطاع الخاص. فالاستثمار في البحث العلمي ليس مجرد دعم للعلماء والباحثين، بل هو استثمار في مستقبل المنطقة وقدرتها على مواجهة التحديات العالمية.
أهمية تطوير البحث العلمي العربي
أكد الدكتور علي البقلوطي، أستاذ الرياضيات بجامعة صفاقس التونسية، أن حل أزمة البحث العلمي العربي يكمن في وضع آليات عملية وعاجلة للحد من هجرة العقول. وأشار إلى أن قلة فرص العمل المتاحة للباحثين الموهوبين تدفع الكثير منهم إلى البحث عن فرص أفضل في الخارج، مما يفاقم مشكلة نقص الكفاءات في المنطقة.
ودعا البقلوطي إلى زيادة ميزانيات البحث العلمي بشكل حقيقي، وتبني مشاريع طويلة الأمد تهدف إلى تطوير البنية التحتية العلمية، واستقطاب الكفاءات الشابة. وشدد على ضرورة دعم النشر العلمي للباحثين العرب في المجلات العلمية الدولية المرموقة، وتخفيف الأعباء المالية المترتبة على ذلك.
هجرة العقول وتأثيرها
تعتبر هجرة العقول أحد أبرز التحديات التي تواجه البحث العلمي في العالم العربي. فوفقاً لتقارير حديثة، يفقد العالم العربي سنوياً عشرات الآلاف من الكفاءات العلمية والهندسية بسبب الهجرة. وهذا النزيف المستمر يؤثر سلباً على قدرة المنطقة على الابتكار والتطور.
ويرى الدكتور ناصر الراوي، رئيس قسم هندسة الليزر والإلكترونيات البصرية بجامعة دجلة في العراق، أن الحل يكمن في توفير بيئة عمل محفزة للباحثين، وربط البحث العلمي باحتياجات المجتمع. وأكد على أهمية تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص في مجال البحث والتطوير.
التمويل ودوره في التقدم العلمي
يشكل التمويل أيضاً عنق الزجاجة أمام تقدم البحث العلمي في المنطقة. فالعديد من الدول العربية لا تخصص سوى نسبة ضئيلة من إجمالي الناتج القومي للبحث العلمي، وهو ما لا يكفي لتلبية الاحتياجات المتزايدة.
ويقول الدكتور جواد الخراز، المؤسس والمدير التنفيذي لشبكة خبراء المياه والطاقة والمناخ، إن الزيادات في الميزانيات المخصصة للبحث العلمي يجب أن تكون “معقولة” و”مستدامة” حتى تؤتي ثمارها على المدى الطويل.
تحديات إجرائية وتطوير البنية التحتية
بالإضافة إلى التمويل وهجرة العقول، يواجه البحث العلمي العربي تحديات إجرائية تتعلق بالبيروقراطية والروتين. فالعديد من الباحثين يشتكون من صعوبة الحصول على الموافقات والتصاريح اللازمة لإجراء أبحاثهم، وإنجاز مشاريعهم. وهذا يعيق التقدم العلمي ويقلل من كفاءة الباحثين.
وللتغلب على هذه التحديات، دعت العديد من الجهات إلى تبسيط الإجراءات الإدارية، وإعطاء الجامعات والمراكز البحثية المزيد من الاستقلالية والمرونة. كما أكدوا على أهمية تطوير البنية التحتية العلمية، وتوفير المعدات والأجهزة الحديثة اللازمة لإجراء الأبحاث.
ويتفق الخبراء على أن هناك إمكانات هائلة للبحث العلمي في العالم العربي، ولكن هذه الإمكانات تحتاج إلى استثمار حقيقي وتوجيه سليم. فالعالم العربي يمتلك قاعدة عريضة من الشباب المتعلم والطموح، وقادراً على تحقيق إنجازات كبيرة إذا ما أتيحت له الفرصة المناسبة. وهناك حاجة أيضاً لتطوير تخصصات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي و**التكنولوجيا الحيوية**.
وفي الختام، يتطلع المجتمع العلمي العربي إلى أن يشهد عام 2026 بداية حقبة جديدة من التقدم والإزدهار في مجال البحث العلمي، وأن يتم إيلاء هذا القطاع الحيوي الأهمية التي يستحقها. ومن المتوقع أن تعلن العديد من الدول العربية خلال الأشهر القادمة عن خطط ومبادرات جديدة لدعم البحث العلمي، وتطوير البنية التحتية العلمية. وسيكون من المهم متابعة تنفيذ هذه الخطط وتقييم أثرها على المدى الطويل. تظل الموازنات المخصصة، والإجراءات العملية، والتحلي بروح المبادرة هي العوامل الحاسمة التي ستحدد مستقبل الابتكار في المنطقة.













