وفي وادي العبلاء، وبالقرب من الغيل الذي لا ينقطع جريان مياهه في منطقة عامرة بالآثار؛ ومنها طريق الفيل نرى شواهد حيّة تستعيد أبا زيد، ومنها رحاه في أعلى وادي رنية، ولعلها رحى تطحن بها الحجارة لاستخراج الذهب والفضة في معدن (منجم) العبلاء، إذ يوجد بالمنطقة دُخل عميق يرجّح أنه من آثار التعدين القديمة في ذلك المكان، والرحى عبارة عن قطعتين من الحجر الصلب الدائري بقطر 120 سنتيمتراً، وينسبها البعض لأبي زيد بحكم أسطورته وأنه عملاق.
وأبو زيد الهلالي أحد أمراء بني هلال بن عامر من هوازن وفرسانهم، وقائد الجيوش العربية في غزوة هجرة بني هلال بالقرن الخامس أو السادس هجري، التي كانت بناء على أوامر من الفاطميين، وهو: سلامة (بركات) بن رزق بن نائل من بني شعيثة بن الهزم بن رؤيبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، الهلالي العامري الهوازني.
وهو بطل أشهر الملاحم الشعبية العربية المعروفة بـ(سيرة بني هلال)، التي صورت وقائع العرب في الفترة من منتصف القرن الرابع الهجري إلى منتصف القرن الخامس الهجري، ورغم شهرته لم يكن أبو زيد الهلالي محور هذه الملحمة، وإنما كان واحداً من أربعة انتهت إليهم الرئاسة في القبيلة وهم: حسن سرحان أبو علي، وذياب ابن غانم، والقاضي بدير، وأبو زيد سلامة. ومهدت الملحمة لولادة البطل بحادثة جعلت منه إنساناً خارقاً، بحكم الشجاعة التي بالغ فيها الشعر العربي وأخرجها من الممكن وتجاوز بها الطاقة البشرية وكاد يعتبرها من الخوارق، والحيلة، إذ يستطيع أن يتنكر في أي زي وأن يحترف أي مهنة وأن يتحدث بأي لغة.
ومن هنا جاء المثل العربي الشهير «سكة أبي زيد كلها مسالك»، كناية عن قدرته الخارقة على اجتياز الصعاب.