تصاعدت المخاوف الدولية من إمكانية انزلاق فنزويلا إلى حرب أهلية شاملة، وذلك في ظل التهديدات المتزايدة بـ تدخل عسكري أمريكي، بعد سلسلة غارات جوية أمريكية استهدفت قوارب في منطقة الكاريبيك والمحيط الهادئ. يشير المحللون إلى أن أي تصعيد إضافي، خاصةً تهديدًا بوجود بري، قد يؤدي إلى صراعات إقليمية واسعة النطاق ويعمق الأزمة الإنسانية القائمة.
وقد بدأت هذه التوترات تتصاعد بعد أن استهدفت الغارات الأمريكية، التي بدأت في سبتمبر/أيلول الماضي، أكثر من 21 قاربًا، مما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات، بذريعة مكافحة تهريب المخدرات. تثير هذه التطورات تساؤلات حول النوايا الحقيقية للولايات المتحدة ورغبتها في تغيير النظام في فنزويلا.
التدخل العسكري الأمريكي في فنزويلا: هل نشهد حربًا أهلية؟
يؤكد خبراء سياسيون وعسكريون أن الضغط الأمريكي على فنزويلا قد يصل إلى ذروته، مما يزيد من احتمالات اندلاع صراع واسع النطاق. ويشيرون إلى أن أي هجوم بري – سواء باستخدام قوات خاصة أو ضربات جوية محدودة – قد يشعل فتيل حرب ضروس بين مختلف الفصائل المتصارعة داخل فنزويلا.
ورأى الباحث كارلوس سولار من مؤسسة المعهد الملكي للخدمات المتحدة أن هذا التصعيد يمثل أخطر تدخل أمريكي في المنطقة منذ انقلاب هاييتي عام 2004. وأشار إلى الحشد العسكري المتزايد، بما في ذلك وجود حاملة الطائرات “جيرالد فورد” بالقرب من السواحل الفنزويلية، كدليل على جدية التهديد.
مخاوف من التصعيد الإقليمي
على الرغم من أن الولايات المتحدة قد تستبعد حاليًا غزوًا واسع النطاق بسبب التكاليف السياسية واللوجستية والإنسانية المرتفعة، إلا أن أي شكل من أشكال التدخل العسكري يمكن أن يؤدي إلى تصعيد إقليمي. وحذرت الخبيرة أنيت إيدلر من كلية “بلافاتنيك لدراسات الحكم” بجامعة أكسفورد من أن ضرب الأراضي الفنزويلية لا يتناسب مع هدف مكافحة المخدرات المعلن، بل قد يؤدي إلى مقتل مدنيين وتدمير البنية التحتية، وبالتالي تفاقم الأزمة الإنسانية.
وطرحت إيدلر سيناريو محتملًا يتمثل في أن العنف قد يمتد إلى كولومبيا المجاورة، أو يدفع تنظيم “جيش التحرير الوطني” الكولومبي إلى الرد على أي هجوم أمريكي، خاصة بعد ادعاءات وزير الحرب الأمريكي بتورط التنظيم في أنشطة تهريب.
الإطاحة بمادورو: هل هي الهدف النهائي؟
تركز العديد من التحليلات على إمكانية أن يكون الهدف النهائي للولايات المتحدة هو الإطاحة بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو. وينقل تقرير نشره موقع “آي بيبر” (I-paper) البريطاني أن ستيفن ميلر، مستشار الرئيس ترامب، يلعب دورًا رئيسيًا في صياغة هذه الإستراتيجية الهجومية.
وتشير بعض المصادر إلى أن هذه الإستراتيجية تستغل موقف الرئيس ترامب المتشدد من الهجرة لاتهام فنزويلا بكونها مصدرًا للمخدرات والهجرة غير الشرعية. ومع ذلك، يرى العديد من المراقبين أن عزل مادورو سيكون أمرًا صعبًا بسبب قدرته على الحفاظ على قاعدة دعم قوية داخل الجيش والحكومة.
سيناريوهات محتملة وتحديات مستقبلية
وحسب سولار، قد يضطر قادة الجيش الفنزويلي إلى التخلي عن مادورو إذا رأوا أن بقاءه في السلطة أصبح مكلفًا للغاية. في المقابل، قد تسعى فنزويلا إلى الحصول على دعم من روسيا والصين وكوبا في حالة اندلاع حرب، ولكن التدخل المباشر من هذه الدول لا يبدو مرجحًا في الوقت الحالي.
يُذكر أن الولايات المتحدة قد تعتمد على قواعدها العسكرية في أمريكا اللاتينية، مثل تلك الموجودة في بورتوريكو وهندوراس وكوبا، بالإضافة إلى مواقع المراقبة في جزر أروبا وكوراساو، في حال قررت التصعيد عسكريًا.
وتشير ورقة بحثية أعدها دوغلاس فاراح، مستشار الأمن القومي السابق، إلى أن الإطاحة بمادورو قد تخلق “فترة طويلة من الفوضى بلا مخرج”. وهذا يعزز التحذيرات الحالية من أن أي تدخل عسكري قد يؤدي إلى حرب أهلية طويلة الأمد ونتائج عكسية.
في الأيام والأسابيع القادمة، من المتوقع أن تواصل الولايات المتحدة ممارسة الضغوط على فنزويلا، مع التركيز على الجوانب المتعلقة بمكافحة المخدرات والديمقراطية. يبقى السؤال الرئيسي مفتوحًا حول ما إذا كانت هذه الضغوط ستتوقف عند هذا الحد، أم ستتطور إلى تدخل عسكري مباشر. سيكون رد فعل الحكومة الفنزيلية وحلفائها، بالإضافة إلى تطورات الأوضاع الداخلية في فنزويلا، هي المؤشرات الرئيسية التي يجب مراقبتها لتحديد مسار الأزمة.













