ويرى أن الاجتهاد درب من دروب التجديد في حركة الأمة، وفي المنظومة الثقافية الإسلامية، يبدأ من الفقه ويمتد لمختلف مجالات المعرفة بمختلف أنواعها، خصوصاً أن المتتبع للكتابات ولمختلف ما ينشر في المكتبة العربية والإسلامية يلاحظ أن موضوع الاجتهاد شغل رواد النهضة ورجال الإصلاح منذ أواخر القرن التاسع عشر ومروراً بالقرن العشرين، فكل الذين ألفوا وكتبوا في مختلف ميادين الفكر والمعرفة كان هدفهم بشكل مباشر أو غير مباشر العمل على بسط فكر ومعرفة وثقافة تستجيب لمتطلبات الحياة المعاصرة، ولا يعني ذلك أن كل المتدخلين والفاعلين في الشأن الفكري والمعرفي يشتركون في نفس الفكر والتصور والتوجه، فموضوع الاجتهاد والدعوة إليه باعتباره مفهوماً ومصطلح تبناه المختصون في المعرفة والعلوم الشرعية، والكثير منهم من خريجي الجامعات والمؤسسات الدينية مثل: الأزهر والقرويون والزيتونة، ولم يكن فقههم مثل فقه الكثير من الذين وقفوا عند فقه الأحكام فقط، وإنما كان فقههم يجمع بين فقه الواقع وفقه الأحكام، وهو الأمر الذي جعلهم يظهرون بكونهم مجتهدي الأمة، في مقابل فئة أخرى من خريجي المؤسسات الدينية اكتفوا بالبقاء على مضامين المدونة الفقهية كل حسب مذهبه، ومنهم من أنكر كثيراً وحذر من اجتهادهم.
وقسّم صابر الذين يقولون بالاجتهاد إلى فئتين، الأولى: تقف عند القول بالاجتهاد ولا تعمل به، وهي الفئة الغالبة، والثانية: وهي التي تنظر إلى الاجتهاد نظرة حضارية، نتيجة وعيها بالتغيرات الثقافية والاجتماعية ذات الطابع العالمي التي صاحبت القرن العشرين وما بعده، وهي تغيرات لها أثر بليغ على موضوع الاجتهاد من جهة طبيعة الإشكالات والقضايا التي تتطلب الأخذ باجتهاد ينسجم ويتوافق مع السياق الاجتماعي والثقافي، وهو سياق يتميز بنظم ومؤسسات وقوانين عالمية ومواثيق دولية منظمة لطبيعة العلاقة بين الدول والأمم، فالاجتهاد من هذا المنظور هو «حالة اجتماعية وحضارية فالانتفاع بثمراته وفوائده متوقف على مقدمات ضرورية».
وعزا تقلّص الاجتهاد وقلة المجتهدين إلى تقلص دائرة الاهتمام والاشتغال بمختلف العلوم، مشيراً إلى أن تياراً آخر كبيراً ومتنوعاً (يجمع بين اتجاه توفيقي واتجاه القطيعة مع التراث)، لم يتبنّ مقولة الاجتهاد، واستحدث مصطلحات ومفاهيم بديلة عنه من قبيل المعاصرة والتحديث والتجديد، وهذا الاتجاه في أغلبه تلقى تكويناً عصرياً في الفلسفة والعلوم الإنسانية، وبالتالي فهو لا يفكر داخل سياق مدونة الفقه وأصول الفقه، واشتغل بشكل كبير على قضايا فكرية تتعلق بسؤال تبيئة واستيعاب مختلف القضايا والأفكار في الفكر والفلسفة الغربية والفلسفة الإسلامية، ما يعني توزعهم على تيار الأصالة وتيار المعاصرة، الأول له اهتمام كبير بامتلاك وضبط مختلف متون معارف العلوم الشرعية، والثاني له اهتمام أكبر بسؤال المناهج والمدارس وسؤال الفهم والتحليل.
وأوضح، أن الجامعات في العالم الإسلامي تدرس العلوم الشرعية في كليات الشريعة وكليات وشعب الدراسات الإسلامية، ولكن لا ينبغي أن نغفل أن هذه الكليات سابقة الذكر لا تستحضر بالشكل الكافي العلوم الإنسانية على مستوى المنهج، في الفهم والتحليل من جهة تدريس الطلاب، بقدر ما هي منجذبة بشكل كبير إلى ضبط المتون والأقوال، ولديها نوع من الفصل ما بين العلوم الشرعية والعلوم الإنسانية، فالغاية من هذه الطروحات الفكرية هي إنعاش وتقوية الاجتهاد الفقهي بتحرير الاجتهاد من الدائرة الفقهية القديمة، وربطه بالدائرة الأوسع، وهي دائرة الحضارة وإشكالاتها ومقتضياتها في الزمن الحديث. ففقيه اليوم بالضرورة يكون قريباً من السيسيولوجيا والتاريخ… ليس من باب التخصص، ولكن من باب المعرفة العامة والكلية.