فقدت فلسطين أحد أبرز رواد توثيق التراث الشعبي، الباحث حمزة العقرباوي، المعروف بـ “حكواتي فلسطين”، عن عمر يناهز 40 عامًا في القاهرة. نبأ وفاة العقرباوي أثار حزنًا واسعًا في الأوساط الثقافية الفلسطينية والعربية، لما له من إسهامات قيمة في الحفاظ على الذاكرة الفلسطينية وتعزيز الهوية الثقافية من خلال جمع ونشر الحكايات والأرشيف التاريخي. وقد نعته وزارة الثقافة الفلسطينية معربة عن أسفها الشديد لرحيله.
رحيل “حكواتي فلسطين” وأهمية التراث الفلسطيني
توفي العقرباوي بعد صراع مع المرض، وفقًا لما أعلنته مصادر مقربة منه. وقد كان العقرباوي يمثل ظاهرة فريدة في مجال جمع التراث الشفوي وتوثيقه. لم يقتصر عمله على نقل الحكايات فحسب، بل سعى إلى فهم السياقات الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية التي نشأت فيها هذه الحكايات، وربطها بالمكان الفلسطيني.
ولد العقرباوي في بلدة عقربا جنوب نابلس عام 1984، وشبّ وترعرع في كنف التقاليد الفلسطينية الأصيلة. أثرت نشأته في بيئة ريفية وثيقة الصلة بالأرض في تشكيل رؤيته المعرفية وتوجهه نحو جمع الحكايات الشعبية والأمثال والأغاني التي تعبّر عن هوية الفلسطينيين. أصبح العقرباوي بذلك صوتًا للذاكرة الشعبية وعاملًا أساسيًا في الحفاظ عليها للأجيال القادمة.
توثيق الذاكرة الجمعية
ركز العقرباوي بشكل خاص على جمع الأرشيف المتعلق بالحياة اليومية للفلسطينيين، مثل دفاتر العائلات القديمة، والوثائق الرسمية، ورسائل المراسلة، والصور الفوتوغرافية. كان يرى في هذه الأوراق والمستندات شهادات حية على تاريخ الشعب الفلسطيني ونضاله. وقد جمع العقرباوي آلاف الوثائق والصور التي تشكل اليوم أرشيفًا ذا قيمة تاريخية كبيرة.
لم يكتفِ العقرباوي بجمع الأرشيف، بل قام أيضًا بتنظيم جولات معرفية في القرى والمدن الفلسطينية، بهدف تعريف الشباب بتراثهم وثقافتهم. وكان يستخدم في هذه الجولات أسلوبًا سرديًا جذابًا، يعتمد على الحكايات الشعبية والأمثال والقصص التاريخية. ساهمت هذه الجولات في تعزيز الوعي الثقافي لدى الشباب الفلسطيني وتشجيعهم على التمسك بهويتهم الوطنية.
دور وزارة الثقافة الفلسطينية
أكدت وزارة الثقافة الفلسطينية، في بيان لها، أن العقرباوي كان من المساهمين الفاعلين في أنشطتها وفعالياتها، وأنه قدّم إسهامات قيمة في إبراز أهمية التراث الشعبي والحفاظ عليه. وأشارت الوزارة إلى أن العقرباوي كان يؤمن بأن التراث الشعبي ليس مجرد وسيلة للتسلية، بل هو جزء أصيل من الذاكرة الوطنية والهوية الثقافية. وقد تعاون مع الوزارة في العديد من المشاريع التي تهدف إلى توثيق التراث الفلسطيني وتعزيزه.
وعمل العقرباوي أيضًا على نشر أبحاثه ومقالاته في العديد من المجلات والصحف العربية، مما ساهم في تعريف الجمهور العربي الأوسع بالتراث الفلسطيني ومكانته في الثقافة العربية. وقد حظيت كتاباته بتقدير كبير من قبل الباحثين والمهتمين بالتراث الشعبي.
تسلط وفاة حمزة العقرباوي الضوء على أهمية دعم جهود توثيق التراث الفلسطيني، والحفاظ على الذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني. ويشكل رحيله خسارة كبيرة للحركة الثقافية الفلسطينية ولكل من يهتم بالتراث والثقافة العربية. من المتوقع أن تتولى وزارة الثقافة الفلسطينية مهمة الحفاظ على أرشيف العقرباوي وتوثيقه بشكل كامل، ونشره على نطاق واسع، وربما إطلاق مبادرة باسمه لدعم الباحثين والمهتمين بالتراث الفلسطيني.
ومازالت تفاصيل جنازة العقرباوي ومكان إقامتها غير واضحة حتى الآن، وسيتم الإعلان عنها لاحقًا من قبل العائلة ووزارة الثقافة. يبقى “حكواتي فلسطين” رمزًا للذاكرة والتراث، وسيظل صوته يتردد في أرجاء فلسطين محفزًا للأجيال القادمة على التمسك بهويتهم الثقافية.













