في خطوة مثيرة للجدل قد تعيد تشكيل العلاقات بين الولايات المتحدة والقارة الأفريقية، كشفت تسريبات إعلامية متعددة عن نية إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تقليص الوجود الدبلوماسي في أفريقيا جنوب الصحراء، ضمن خطة أوسع لإعادة هيكلة الخارجية الأميركية.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، فإن مسودة أمر تنفيذي تم تسريبها تُظهر توجيهات بإغلاق “السفارات والقنصليات غير الأساسية” في أفريقيا، واستبدال مكتب الشؤون الأفريقية بمكتب مبعوث خاص يتبع مباشرة لمجلس الأمن القومي، في تغيير جذري لنهج إدارة الشؤون الخارجية.
وتوضح المسودة أن الهدف من هذه الإجراءات هو “تبسيط تنفيذ المهام ومشروع القوة الأميركية في الخارج” غير أنها -في الوقت ذاته- تقترح إلغاء عدد من المكاتب الأساسية المعنية بحقوق الإنسان، وتغير المناخ، والديمقراطية، والمساواة بين الجنسين.
وفي تقرير موسّع نشره موقع بوليتيكو، اعتبرت الكاتبة نهال توسي أن هذه التحركات تعكس توجهاً إستراتيجياً جديداً لإدارة ترامب تجاه هذه القارة، يتسم بالانسحاب بدل الانخراط.
وقد تمتد هذه السياسات -حسب التقرير- إلى تقليص دور الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وحتى تقليص عمليات القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) مما قد يترك فراغًا تسعى قوى مثل الصين وروسيا إلى ملئه.
أما صحيفة غارديان البريطانية فقد أفادت أن مسودة الأمر التنفيذي تشمل كذلك إعادة تنظيم الخارجية إلى 4 مكاتب إقليمية، وإلغاء برامج مثل فولبرايت -باستثناء تلك المتعلقة بالأمن القومي- فضلاً عن إنهاء نظام الامتحان الدبلوماسي التقليدي، لصالح توظيف قائم على “الولاء للسياسة الخارجية للرئيس”.
وفي الوقت الذي وصف فيه وزير الخارجية ماركو روبيو هذه التقارير بأنها “أخبار مزيفة” فإن ردود الفعل داخل وزارة الخارجية، وضمن الأوساط الدبلوماسية الدولية، اتسمت بالقلق العميق.
انعكاسات محتملة على أفريقيا
قد يؤدي تقليص الوجود الأميركي في أفريقيا إلى تراجع برامج التنمية والصحة العامة، التي تعتمد عليها بعض دول القارة بشكل كبير، خاصة في مجالات مثل مكافحة الإيدز والملاريا، بالإضافة إلى دعم التحولات الديمقراطية.
وفي ظل التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه القارة، قد يُنظر إلى هذا الانسحاب كإشارة على تراجع الاهتمام الأميركي بالشراكة الأفريقية، في وقت تزداد فيه المنافسة الجيوسياسية على النفوذ في القارة.
ورغم ملامح الانسحاب التي تلوح في الأفق، يُتوقع أن يزور وزير الخارجية ماركو روبيو القارة الأفريقية هذا الشهر، في جولة يُرجح أن تشمل كينيا وإثيوبيا.

وتأتي هذه الزيارة في وقت وجّهت فيه الخارجية دبلوماسييها في أفريقيا إلى “تكثيف الجهود لدعم القطاع الخاص الأميركي في التعرف على الفرص وإتمام الصفقات التجارية”.
ووفق تروي فيتريل المسؤول الأعلى عن الشؤون الأفريقية بالوزارة، فإن هذه الجهود “ستعود بالفائدة على الدول الأفريقية أيضًا، من خلال شراكة قائمة على الندية والمصالح الوطنية لكل طرف”.
غير أن هذا التوجه يُنظر إليه من قبل بعض المحللين على أنه محاولة لإعادة تعريف العلاقة مع أفريقيا بمنظور تجاري ضيق، بديلًا عن الشراكة الواسعة التي كانت تشمل التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
وفي الوقت الذي تبرر فيه إدارة ترامب هذه الخطوة بأنها جزء من “إعادة تنظيم بيروقراطي” يرى كثيرون أنها تحمل أبعاداً أعمق تتعلق بإعادة صياغة الدور الأميركي العالمي. وإذا ما نُفذت، فإن علاقات واشنطن بأفريقيا قد تصل لمفترق طرق حاسم، قد يعيد رسم خريطة التحالفات الدولية في المنطقة لعقود قادمة.