شهدت العاصمة الليبية طرابلس إعادة افتتاح المتحف الوطني الليبي بعد إغلاق دام قرابة 14 عامًا، منذ أحداث عام 2011. ويعتبر هذا الحدث بمثابة دفعة قوية للقطاع الثقافي في ليبيا، حيث يتيح للجمهور فرصة فريدة للاطلاع على كنوز الحضارات التي تعاقبت على البلاد، ويؤكد على الجهود المبذولة للحفاظ على التراث الليبي الغني والمتنوع.
تم افتتاح المتحف رسميًا يوم الجمعة الموافق 12 ديسمبر 2025، بحضور رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة. يذكر أن “السراي الحمراء” – الاسم السابق للمتحف – أُغلق أبوابه خلال أحداث الثورة الليبية عام 2011، وشهد خلال تلك الفترة بعض الأضرار والنهب، مما استدعى القيام بأعمال ترميم شاملة.
المتحف الوطني الليبي: شهادة حية على تاريخ ليبيا
بدأت أعمال الترميم والتأهيل في مارس/آذار 2023، بتكلفة كبيرة وجهود مشتركة من حكومة الوحدة الوطنية بالتعاون مع جهات متخصصة في الحفاظ على التراث. وتهدف هذه الأعمال إلى استعادة المتحف إلى سابق عهده، وتوفير بيئة مناسبة لعرض القطع الأثرية والممتلكات الثقافية الليبية.
وأكد رئيس الوزراء الدبيبة خلال حفل الافتتاح أن إعادة إطلاق المتحف ليست مجرد حدث ثقافي، بل هي دليل على أن ليبيا تسير بخطى ثابتة نحو بناء مؤسساتها واستعادة دورها في الساحة الإقليمية والدولية. شمل حفل الافتتاح عرضًا فنيًا وبصريًا، تم فيه استعراض مراحل التاريخ الليبي المختلفة.
كنوز أثرية تعود إلى عصور ممتدة
يضم المتحف الوطني الليبي مجموعة واسعة من الآثار والتحف التي تغطي مختلف العصور التاريخية التي مرت بها ليبيا، بدءًا من عصور ما قبل التاريخ وصولًا إلى العصر الإسلامي والحديث. تشمل هذه المجموعة لوحات فسيفساء رائعة، وجداريات تاريخية، ومنحوتات فنية، وعملات قديمة، بالإضافة إلى العديد من القطع الأثرية الأخرى التي تعكس ثراء وتنوع الحضارات التي شهدتها البلاد.
علاوة على ذلك، يحتضن المتحف مومياوات تعود إلى آلاف السنين، تم اكتشافها في مناطق أثرية مختلفة في ليبيا، مثل جبال أكاكوس والجغبوب، والتي تمثل جزءًا هامًا من التراث الإنساني. يمتد مساحة قاعات العرض في المتحف إلى حوالي 10 آلاف متر مربع.
استعادة الآثار الليبية المهربة
يُعد الحفاظ على التراث الأثري الليبي واستعادته من أهم أولويات الحكومة الليبية. وفي هذا السياق، أفاد رئيس مجلس إدارة مصلحة الآثار، محمد فرج الشكشوكي، بأن ليبيا تمكنت من استعادة 21 قطعة أثرية مهربة من قبل أطراف غير قانونية بعد عام 2011، بالتعاون مع دول أخرى مثل فرنسا وسويسرا والولايات المتحدة.
وأضاف الشكشوكي أن المفاوضات لا تزال جارية لاستعادة المزيد من القطع الأثرية الليبية من دول أخرى، بما في ذلك إسبانيا والنمسا، وذلك في إطار الجهود الدولية لمكافحة تهريب الممتلكات الثقافية. وكانت ليبيا قد استعادت في عام 2022 تسع قطع أثرية من الولايات المتحدة.
مواقع التراث العالمي والجهود المستمرة
تضم ليبيا خمسة مواقع أثرية مسجلة على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، وقد أُدرِجت هذه المواقع على قائمة الخطر في عام 2016 بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية غير المستقرة التي تمر بها البلاد. تسعى الحكومة الليبية بالتعاون مع المنظمات الدولية إلى حماية هذه المواقع وإعادة تأهيلها لضمان الحفاظ عليها للأجيال القادمة.
وتشمل هذه المواقع مدينة لبدة الكبرى، ومدينة صبراطة، وقصر غدوة، ورسوم كهوف جبال أكاكوس، وموقع ماركة. يهدف الافتتاح التدريجي للمتحف إلى تعزيز الوعي بأهمية الآثار والتراث الثقافي الليبي.
من المتوقع أن يتم فتح المتحف الوطني الليبي رسميًا لعامة الجمهور بعد الانتهاء من وضع اللمسات النهائية على أعمال التأهيل والتجهيز. تبقى تحديات الحماية والمحافظة على المجموعات الأثرية قائمة، بالإضافة إلى الحاجة إلى تطوير برامج تعليمية وثقافية لتعزيز دور المتحف في المجتمع. ويُتوقع أن يشهد المتحف زيادة في عدد الزوار والباحثين بعد إعادة افتتاحه، مما سيعزز من مكانة ليبيا كوجهة سياحية وثقافية مهمة.













