حذّرت تقارير حديثة من أن قطاع غزة، الذي دمرته الحرب، قد يضم أكبر تركيز للذخائر غير المنفجرة في مناطق الصراع حول العالم. وتشكل هذه المخلفات الحربية خطراً كبيراً على المدنيين، حيث تستمر في القتل والإصابة حتى بعد انتهاء القتال. وتأتي هذه التحذيرات في ظل جهود محدودة لإزالة هذه الأجسام الخطرة من الأراضي الفلسطينية.
وأكدت دراسة نشرتها مجلة إيكونوميست البريطانية أن الذخائر غير المنفجرة تمثل تهديداً طويل الأمد، يتجاوز الأضرار الفورية للحرب. وتشير التقديرات إلى أن كميات هائلة من المتفجرات لم تنفجر أثناء القصف، مما يخلق بيئة خطيرة بشكل استثنائي للسكان، خاصةً مع بدء عمليات إعادة الإعمار. وتشمل هذه الذخائر قنابل ومقذوفات وقذائف هاون وغيرها من الأسلحة.
خطر الذخائر غير المنفجرة في غزة
تكمن خطورة الوضع في أن جزءاً كبيراً من القنابل التي ألقاها الجيش الإسرائيلي على غزة مزود بآليات تفجير مؤجل، مصممة للانفجار داخل المباني أو تحت الأرض. هذا يزيد من صعوبة عملية الكشف عن هذه المتفجرات وإزالتها، ويجعلها أكثر فتكاً بالمدنيين الذين يحاولون العودة إلى منازلهم أو البحث عن أحبائهم.
وقد أظهرت قاعدة بيانات تابعة للأمم المتحدة أن أكثر من 53 شخصاً قتلوا وأصيب المئات بجروح خطيرة نتيجة لهذه المخلفات الحربية في غزة منذ بدء الصراع. ومع ذلك، تعتقد منظمات الإغاثة أن العدد الفعلي للضحايا قد يكون أعلى بكثير، نظراً لصعوبة الوصول إلى المناطق المتضررة وجمع المعلومات الدقيقة.
الوضع الإنساني المعقد
تفاقم الوضع الإنساني في غزة بشكل كبير بسبب الحرب، مما يجعل عملية إزالة الذخائر غير المنفجرة أكثر تعقيداً. يعاني السكان من نقص حاد في الغذاء والماء والدواء والمأوى، مما يدفعهم إلى العودة إلى المناطق الخطرة بحثاً عن الضروريات.
كما أن نقص الموارد المالية والبنية التحتية اللازمة لإزالة الألغام يعيق الجهود المبذولة. وتحتاج فرق إزالة الألغام إلى معدات متخصصة وتدريب مكثف للتعامل مع هذه المتفجرات بأمان وفعالية.
تحديات إزالة الألغام
تعتبر إزالة الذخائر غير المنفجرة في غزة مهمة صعبة للغاية، حتى بالمقارنة مع المناطق الأخرى التي شهدت صراعات مماثلة. ووفقاً لمنظمة “هيومانيتي آند إنكلوجن” للإغاثة، قد تستغرق إزالة جميع هذه المخلفات ما بين 20 و30 عاماً، ما لم يتم توفير دعم دولي واسع النطاق.
ويشير خبراء إزالة الألغام إلى أن القيود التي تفرضها إسرائيل على دخول الخبراء والمعدات اللازمة تعيق بشكل كبير جهود التطهير. بالإضافة إلى ذلك، فإن منع الفلسطينيين من التدريب على التخلص من المتفجرات يحد من قدرتهم على التعامل مع هذه المشكلة بأنفسهم.
وتشير التقديرات إلى أن حوالي 40% من الأحياء السكنية في غزة ملوثة بالذخائر غير المنفجرة، مع وجود تركيزات عالية بشكل خاص في مناطق مثل بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا.
الجهود الدولية والمحلية
تبذل بعض الدول والمنظمات الدولية جهوداً لمساعدة الفلسطينيين في إزالة الذخائر غير المنفجرة. وقد تعهدت بريطانيا بتقديم 4 ملايين جنيه إسترليني لجهود الأمم المتحدة في هذا المجال.
ومع ذلك، يرى مراقبون أن هذه الجهود لا تزال غير كافية لمواجهة حجم التحدي. ويؤكدون على ضرورة زيادة الدعم الدولي وتوفير الموارد اللازمة لفرق إزالة الألغام.
بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى توعية السكان بمخاطر الذخائر غير المنفجرة وتعليمهم كيفية التعرف عليها والإبلاغ عنها.
من المتوقع أن تستمر الأمم المتحدة في تقييم الوضع وتقديم المساعدة اللازمة لإزالة الذخائر غير المنفجرة في غزة. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الجهود يعتمد بشكل كبير على تخفيف القيود المفروضة على دخول الخبراء والمعدات، وتوفير التمويل الكافي، وتعاون جميع الأطراف المعنية. يبقى الوضع في غزة معقداً وغير مؤكد، ويتطلب مراقبة دقيقة وتدخلًا إنسانيًا مستدامًا.













