غزة- تعمّد جيش الاحتلال الإسرائيلي تدميرَ مصادر وشبكات المياه في قطاع غزة، بعد أن استهدفها بغاراته الجوية وعملياته البرية في إطار حربه لتقويض مقومات الحياة وإجبار الفلسطينيين على هجر أماكن سكنهم.
ويقول مدير عام مصادر المياه في سلطة المياه بقطاع غزة، منذر سالم، إن إسرائيل دمَّرت 85% من مصادر المياه، وأنهكت قطاع المياه المستنزف أساسا، ولم تعد المياه الصالحة للشرب والمخصصة للاستهلاك اليومي متاحة أمام أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون داخل غزة.
وحذَّر في حديث خاص للجزيرة نت، من آثار تلوث المياه على صحة المواطنين الذين يضطرون إلى قطع مسافات طويلة للحصول على القليل منها، وفي كثير من الأحيان تفشل مهمتهم في توفيرها.
المصدر الأهم
ويعتمد قطاع غزة -حسب سالم- على ثلاثة مصادر للمياه؛ أولها الخزان الجوفي الذي كان مستنزفا قبل الحرب وأصبح منهكا، حيث أظهرت آخر التحاليل التي سبقت العدوان الإسرائيلي عام 2023، أن 97% من مياهه غير صالحة للشرب، بينما تُمثل المصدر الثاني محطات التحلية، سواء العامة أو الخاصة، التي زاد الاعتماد عليها كثيرا خلال الحرب.
وتوفر المصدر الثالث شركة مياه “ميكروت” الإسرائيلية، بناء على اتفاق أوسلو، حيث بدأت بتزويد قطاع غزة بـ5 ملايين متر مكعب من المياه سنويا عبر 3 محاور واقعة شرق مدينة غزة، وشرق المغازي وسط القطاع، وشرق عبسان جنوبه، وارتفعت الكمية في 2023 لتصل إلى 21 مليون متر مكعب سنويا.
واستعرض سالم التفاصيل الصعبة لواقع الخزان الجوفي في قطاع غزة، الذي يعتمد على مياه الأمطار لتعويضه، لكن كثرة الاستهلاك وعشوائيته أنهكته وأصبح ملوثا.
وأضاف “يمثل الاعتماد الأكبر على الخزان الجوفي بما يعادل 85% من إجمالي مصادر المياه، وزادت هذه النسبة خلال الحرب بعدما قطعت إسرائيل إمدادات المياه التي تزود بها القطاع، فور عودة العدوان عليه في مارس/آذار الماضي”.
سياسة التعطيش
ودمَّر الاحتلال أكثر من 80% من آبار المياه العامة، التي كانت توفر الماء لمعظم المناطق السكنية، ما يؤكد وجود مخطط إسرائيلي لتعطيش سكان قطاع غزة، حسب المسؤول سالم.
ولفت إلى أن معظم الآبار التي يتم إعادة تشغيلها بعد تنفيذ أعمال صيانة طارئة عليها، لا تعمل بالكفاءة المطلوبة نظرا للأضرار الجسيمة التي لحقت بمنظومة المياه، ما أدى إلى انخفاض إنتاج هذه المصادر ما بين 30-35% مما كان عليه قبل العدوان.
وكانت محافظات قطاع غزة تعتمد في استخراج المياه الجوفية على 300 بئر تنتج 262 ألف متر مكعب في اليوم، إلا أن أضرارا لحقت بها قلصتها إلى أدنى مستوى.
وأدت عمليات النزوح المستمرة التي يفرضها الجيش الإسرائيلي على سكان جميع محافظات قطاع غزة إلى تجمعهم في أماكن محدودة، والعمل على حفر آبار منزلية جديدة أو إصلاح بعض المصادر الجوفية التي أصابها الدمار كي يتمكنوا من توفير المياه.
وأشار سالم إلى العراقيل التي تصطدم بمحاولات تشغيل الآبار المتبقية في قطاع غزة، منها غياب مصادر الطاقة اللازمة لعملها بسبب منع الاحتلال إدخال الوقود، وارتفاع تكلفة تشغيلها عبر الطاقة الشمسية التي دمر العدوان معظمها.
وأوضح أن القدرة التخزينية للنازحين تقتصر على غالونات مياه محدودة السعة بسبب النزوح والدمار الذي طال خزانات المياه الكبيرة، وبالتالي، فإنه عند انقطاع المياه عنهم ليوم واحد فقط، فسيتركوا دون ماء، وهو ما يزيد من الأزمات اليومية التي يعيشها معظم سكان القطاع.

التلوث وأخطاره
وزاد اعتماد سكان قطاع غزة على محطات تحلية المياه التي كانت تغطي 10% فقط من مجمل احتياجهم، حيث اضطرت لزيادة كميات إنتاجها رغم ارتفاع تكلفتها بشكل ملحوظ.
وقال سالم: إن محطات التحلية تجتهد من خلال المؤسسات الخيرية والمبادرات المجتمعية لإيصال أكبر قدر ممكن من الماء إلى محافظات قطاع غزة، وهذا يساعد على توفير حصة يومية من المياه حتى لو كانت قليلة.
وتطرَّق إلى مخاطر تلوث مياه الشرب، حيث يتكدس مئات المواطنين حول شاحنات توزيعها، مما يتسبب أحيانا بوصول الرمال والأتربة إلى الغالونات المخصصة لنقل المياه.
وبيّن المسؤول سالم، أن كل 1 غرام من الرمل يحتوي على 5 ميكروبات، ما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض المعوية، وحذَّر من أن تراكم النفايات الصلبة في غزة يؤدي مباشرة إلى تسرب التلوث للمياه.
وشدد سالم على أن مصادر المياه تحتاج إلى إعادة تأهيل شاملة بما فيها محطات تحلية المياه، ومحطات الضخ، والآبار، وخزانات المياه، وخطوط النقل الرئيسية، وشبكات المياه، كي تتمكن الجهات المختصة من تلبية احتياجات المواطنين الطبيعية للمياه.