أعربت رئيسة المحكمة الجنائية الدولية، القاضية توموكو أكاني، عن قلقها البالغ إزاء تأثير العقوبات الأمريكية الأخيرة على عمل المحكمة وحياة موظفيها. وأكدت أكاني أن هذه العقوبات، التي استهدفت كبار المسؤولين والقضاة في المحكمة، تمثل محاولة لتقويض استقلالية المحكمة الجنائية الدولية، وهو مبدأ أساسي في القانون الدولي. وتأتي هذه التطورات في وقت تواجه فيه المحكمة تحديات داخلية وخارجية متزايدة.
تأثير العقوبات الأمريكية على المحكمة الجنائية الدولية
فرضت الولايات المتحدة عقوبات على المدعي العام للمحكمة، كريم خان، ونائبيه، بالإضافة إلى ستة من قضاة المحكمة، ردًا على إصدار مذكرات توقيف دولية بحق قيادات إسرائيلية على خلفية اتهامات بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة. وقد أثارت هذه الخطوة ردود فعل دولية متباينة، حيث اعتبرتها بعض الدول تدخلًا غير مقبول في عمل المحكمة، بينما دافعت عنها الولايات المتحدة باعتبارها وسيلة لحماية حلفائها.
ردود الفعل الدولية
أعلنت فرنسا دعمها الكامل للمحكمة، ووصف وزير العدل الفرنسي جيرالد دارمانان الإجراءات القسرية الأمريكية بأنها “غير مقبولة”. بالإضافة إلى ذلك، أعرب الاتحاد الأوروبي، ممثلاً بالدانمارك، عن دعمه القوي للمحكمة في مواجهة التهديدات والعقوبات. وقد أصدرت مجموعة من 79 دولة بياناً مشتركاً تدعم فيه المحكمة وتحذر من خطر الإفلات من العقاب.
التداعيات على عمل المحكمة
أكدت القاضية أكاني أن العقوبات أثرت بشكل مباشر على الحياة الشخصية للموظفين المستهدفين، مما يعرض عملهم وسلامتهم للخطر. وقالت إن المحكمة “لن تقبل أي ضغط من أي نوع كان”، وأن ولاءها يظل لنظام روما الأساسي، الذي ينشئ المحكمة، والقانون الدولي. وتخشى بعض الأطراف من أن تؤدي هذه العقوبات إلى إجبار المحكمة على إغلاق مكاتبها الميدانية، مما يقوض قدرتها على التحقيق في الجرائم الجسيمة.
تحقيق داخلي يواجه المدعي العام
تأتي هذه التطورات في الوقت الذي يواجه فيه المدعي العام كريم خان تحقيقًا داخليًا بشأن مزاعم تتعلق بسلوك غير لائق. وقد أدى هذا التحقيق إلى توقفه مؤقتًا عن أداء مهامه ريثما تكتمل الإجراءات. يُذكر أن خان نفى بشدة هذه المزاعم، واصفاً إياها بأنها محاولة لتشويه سمعته وتقويض عمل المحكمة. هذا التحقيق الداخلي، بالإضافة إلى العقوبات الخارجية، تُعدّ تحديات كبيرة تواجه المحكمة الجنائية الدولية حاليًا.
قانون المساءلة يشكل أساسًا للقانون الدولي الجنائي، وتعتمد المحكمة على التعاون من الدول الأعضاء لضمان تحقيق العدالة. صعوبة الحصول على هذا التعاون، وخاصة من دول غير أعضاء في نظام روما، قد تعرقل تحقيقاتها وقراراتها. الجرائم ضد الإنسانية هي من بين الجرائم التي تتولى المحكمة مسؤولية التحقيق فيها، وتشمل هذه الجرائم القتل والاغتصاب والتعذيب والترحيل القسري. العدالة الانتقالية هي مفهوم ذو صلة، حيث تسعى المحكمة إلى تحقيق المصالحة والمساءلة عن الجرائم الماضية.
في سياق أوسع، تعكس هذه الأحداث التوترات الجيوسياسية المتزايدة والتحديات التي تواجه النظام القانوني الدولي. كما تثير تساؤلات حول الدور المستقبلي للمحكمة الجنائية الدولية وقدرتها على أداء مهامها بشكل مستقل وفعال. النزاعات المسلحة غالبًا ما تكون المحفز لإجراء تحقيقات المحكمة، مما يجعل المحكمة في مركز الصراعات الدولية.
من المتوقع أن تستأنف الجمعية العامة للدول الأعضاء مناقشاتها حول هذه القضية في الأيام المقبلة، في محاولة للتوصل إلى حل يضمن استقلالية المحكمة وحيادها. وتراقب الأطراف المعنية عن كثب تطورات التحقيق الداخلي الذي يواجهه المدعي العام، والذي قد يؤثر على مستقبل المحكمة. ستكون ردود فعل الدول الأعضاء، وخاصة الدول الكبرى، حاسمة في تحديد المسار الذي ستسلكه المحكمة الجنائية الدولية في المستقبل المنظور.













