يوسف غانم
(لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) (يوسف 111)، بهذه الآية الكريمة يبدأ الفريق الركن بحري م. جاسم محمد الأنصاري مقدمة كتابه «الموج الهادر.. القوة البحرية الكويتية من التأسيس إلى التحرير.. أحداث لم تروَ»، الصادر عن منشورات «ذات السلاسل» والذي يتضمن العديد من المعلومات والأحداث التي حملتها صفحات الكتاب الـ 423 الموزعة على 12 فصلا مع العديد من الصور والوثائق الشاهدة على كثير من الأحداث والوقائع التي يقدمها الفريق الأنصاري بأسلوب شيق ليضع القارئ أمام سرد تاريخي وواقعي لسنوات شهدت خلالها الكويت مراحل مهمة وتحديات كبيرة لعل أبرزها الغزو العراقي الغاشم.
ويوضح الفريق الركن م. جاسم الأنصاري في مقدمة الكتاب أن من أصعب الأمور أن تبدأ بكتابة تاريخ مضى عليه زمن يزيد على 30 عاما، ومهما يكن في جعبتك من وثائق ومذكرات تكون قد دون بها كثير من الأحداث التي عاصرتها وعايشتها لتستعين بها في كتابة تلك الأحداث فإنك، بلا شك، سوف تغفل بحكم الزمن والنسيان عن بعض التفاصيل، وسيكون للذاكرة عامل في سقوط أسماء قد يكون لها دور فيما يتم التطرق إليه، فما عليك إلا أن تلتمس منهم العذر والسماح.
ويضيف المؤلف: لقد سعيت من خلال هذا الكتاب إلى أن أضع بين يدي القارئ أحداثا تاريخية مرت بها كويتنا الغالية من خلال تجربتي وعملي كضابط في القوة البحرية في الجيش الكويتي الباسل، مستذكرا ما مررت به منذ انتسابي إلى صفوفه وتدرجي في الدراسة والتدريب، وما مارسته من خلال المناصب التي تقلدتها حتى تحرير الكويت، مسلطا الضوء، خلال سرد الأحداث على تاريخ إنشاء القوة البحرية الكويتية وتسليحها، وكذلك التحديات التي مرت بها قبل الغزو العراقي الغاشم، وبشكل خاص أحداث الحرب العراقية الإيرانية وحرب تحرير الكويت.
ويتطرق الفريق الأنصاري إلى تجربته الشخصية باعتباره ضابطا بحريا ليسطر بكل فخر بعضا مما قامت به القوة البحرية الكويتية وإسهاماتها منذ الساعات الأولى للغزو، وكيف تمكنوا في صبيحة 2 أغسطس 1990 من الانسحاب بالزورقين الصاروخيين الضاربين «استقلال» و«سنبوك» بعد نفاد الخائر والانصياع للأوامر العسكرية من القيادة بضرورة الانسحاب إلى المملكة العربية السعودية الشقيقة للحفاظ على الزورقين والأطقم من التدمير أو الوقوع بيد العدو. ثم ضم سفينة «سواحل 35» إلى القطع البحرية ودورها أثناء عمليات «عاصفة الصحراء»، والتي كانت مع الزورقين تشكل نواة القوة البحرية الكويتية آنذاك وفي طليعة القوات في عمليات تحرير الكويت ومسرح العمليات وكانت أول من اشتبك مع العدو بشكل مباشر في معركة «حقل الدرة»، وتم بسواعد أبنائها تحرير أول قطعة أرض من أراضي الوطن الغالي وهي «جزية قاروه».
ويتنقل بنا الفريق الركن بحري م. جاسم الأنصاري عبر فصول الكتاب الإثني عشر في رحلة تأريخية وتوثيقية يعرفنا فيها على تأسيس القوة البحرية الكويتية ونشأتها في الفصل الأول، كما يحدثنا في الفصل الثاني عن انضمامه إلى السلك العسكري بدءا بالكلية العسكرية، والأكاديمية البحرية الباكستانية، واستكمال دراسته في بريطانيا، وفي ألمانيا الغربية، مع التطرق إلى بناء الزوارق والتجريب مع البحرية الألمانية، وإبحار الزوارق من ألمانيا إلى الكويت.
وفي الفصل الثالث «مرحلة الحرب العراقية ـ الإيرانية» والتحديات التي واجهت القوة البحرية الكويتية، وحماية مياه الكويت الإقليمية والاقتصادية من الاختراقات، وحرب الناقلات، وحرب الألغام، وأزمة الصواريخ الإيرانية، لتأتي زيادة المغفور له صاحب السمو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة الشيخ جابر الأحمد للقاعدة البحرية في الفصل الرابع.
ويأتي الفصل الخامس ليقدم المؤلف للقراء أحداث الغزو العراقي الغاشم، وبداية التهديد 14 يوليو 1990 ووضع القوة البحرية، والوضع العام للجيش الكويتي والقوة البحرية، وتاريخ 2 أغسطس 1990 الغدر والخيانة، والاشتباك البحري، مع روايات لبعض ضباط القوة البحرية الذين شهدوا أحداث يوم الغزو الغاشم، واستمرار الزورقين الصاروخيين «استقلال» و«السنبوك» بالمقاومة والتوجه.
إلى قصر دسمان، ومحاولة إنقاذ زوارقنا وتحرير القاعدة البحرية، والاستبسال في مواجهة العدو بعد عملية الإنزال في القاعدة البحرية، وروايات شهود المواجهات في القاعدة البحرية صبيحة 2 أغسطس 1990، والصمود والدفاع عن معسكر الذخيرة.
وفي الفصل السادس يتحدث الفريق الأنصاري عن الانسحاب إلى المملكة العربية السعودية – ميناء الخفجي ظهر 2 أغسطس 1990، ثم مغادرة ميناء الخفجي إلى قاعدة الملك عبدالعزيز «الجبيل»، وترقب الأحداث في القاعدة، وصولا إلى الاجتماع مع سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله، طيب الله ثراه، (ولي العهد حينها).
بعد ذلك، يتناول المؤلف في الفصل السادس الانتقال إلى دولة البحرين، ومرحلة تجميع وتنظيم القوة البحرية الكويتية في البحرين، ودور القوة البحرية الكويتية ضمن قوات التحالف، وتحديد المهمة لقواتنا خلال عمليات حرب تحرير الكويت «عاصفة الصحراء».
وفي الفصل الثامن، يتحدث الفريق الأنصاري عن حرب التحرير «عملية عاصفة الصحراء»، والتحرك إلى مسرح العمليات، والدور البطولي لضباط وصف ضباط القوة البحرية الكويتية الأسرى بتعطيل زوارقنا التي استولى عليها العدو، وبدء عمليات عاصفة الصحراء، وإرادة الله ونبرة صوتي تنقذنا نحو انطلاق شرارة عمليات عاصفة الصحراء، ومعركة حقل «أرياق الدرة» النفطي، وتحرير أول أرض كويتية وهي جزية قاروه، ومرة أخرى يتدخل القدر فتتعطل محركات الزورق الصاروخي «استقلال»، والعناية الإلهية تتدخل مرة أخرى لإنقاذنا والزورق الصاروخي «استقلال» من اللغم، وتوديع سفينة القيادة الفرقاطة الأميركية «نيكولاس»، وتحرير جزيرة «أم المرادم»، بعدها التوجه إلى قاعدة الملك عبدالعزيز بالجبيل للتزود بقطع الغيار، واصطدام لغم وانفجاره بالمنصة النفطية «الريق» التي كان من المفترض أن يربط به الزورق الصاروخي «استقلال»، وتدخل القدر ورفض التجاوب حتى لا ندمر قوارب صديقة، والإعلان عن رفع العلم على ثالث أرض كويتية وهي جزيرة «كبر»، ومعركة رأس الزور، واستفزاز العدو ودفعه لتشغيل منظومات صواريخ دفاعه الساحلي، وحقول الألغام وإصابة سفن التحالف، والعمليات البحرية الخاصة لخداع العدو عن مواقع الإنزال البحري، ويوم السبت 23 فبراير 1991 للإعداد للحرب البرية، وحماية البوارج «ميسوري» و«ويسكونسن»، والنجاة من صاروخ «سيلكورم»، والاستعداد لدخول الكويت، وإنزال قوة مشاة بحرية كويتية في قاعدة «الجليعة» البحرية، حتى يوم الخميس 28 فبراير حيث وطئت أقدامنا أرض الوطن الحبيب لتكتمل فرحتنا بالتحرير ورؤية الأهل.
وفي الفصل التاسع، كان تطهير فيلكا من العدو ورفع علم الكويت عليها، وفي الفصل العاشر يتطرق الفريق الأنصاري إلى شهداء القوة البحرية، ليصل بنا في الفصل الحادي عشر إلى تشكيل القوة البحرية الكويتية وكشوفات أسماء المشاركين في حرب التحرير. ويقدم المولف في الفصل الثاني عشر نبذة عن أمار القوة البحرية الكويتية السابقين.
وفي الخاتمة، يقول الفريق الأنصاري: أضع هذا الكتاب بين أيديكم، آملا أن أكون قد وفيت ببعض ديني تجاه وطني، بكل ما أمكنني من الشفافية والصدق والحياد، أضعه بين أيدي الباحثين عن الحقيقة في الأحداث التي عصفت بمنطقتنا، وأضعه على وجه الخصوصبين بين أيدي أبنائنا، خاصة ممن لم يعيشوا تلك الفترة العصيبة التي عاشتها الكويت خلال الغزو العراقي الغاشم، علهم يدركون ما دفعه الآباء من أثمان باهظة لينعموا هم بالأمن والأمان.
ويضيف المؤلف: لا أدعي أنني أحطت بكل شيء، وأنني أنصفت كل من ساهم في تحرير وطننا الحبيب، لذا أرجو منكم الصفح، إذا أغفلت اسما هنا أو حادثة هناك أو مفصلا هاما من مفاصل مسيرة التحرير المظفرة.
في تلك الفترة اختبرنا حبنا للكويت، اختبرنا معدن الأصدقاء والحلفاء وميزنا بين دول المواقف ودول المصالح، وأيقنا في النهاية أنه لا ضمان لأمننا وأماننا إلا بسواعد أبناء الكويت ودعم أصدقائها الشرفاء، هذا درس تعلمناه من قيادتنا الحكيمة الشجاعة التي نادت منذ يوم الخميس الأسود بتحرير الكويت سلما أو حربا، فانبلج فجر التحرير بفضل الله، وببصيرة هذه القيادة، وبمن التف حولها من قادة الدول العربية والصديقة، وخصوصا دول مجلس التعاون الخليجي.













