عقد قادة فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة اجتماعًا في لندن في الثامن من ديسمبر 2025 لمناقشة مقترحات السلام الأوكرانية، وذلك في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتصاعد الجهود الدبلوماسية. وتتركز المناقشات حول خطة سلام أمريكية مقترحة، مع وجود اختلافات ملحوظة في وجهات النظر حول كيفية تحقيق تسوية دائمة، خاصة فيما يتعلق بضمانات أمنية قوية لأوكرانيا و مستقبل الاقتصاد الروسي. يهدف الاجتماع إلى تنسيق الموقف الأوروبي قبل المزيد من المحادثات مع الولايات المتحدة وأوكرانيا.
الدعم الأوروبي ومواجهة التحديات الاقتصادية الروسية
أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على وجود “أوراق ضغط” متعددة لدى الدول الأوروبية، بدءًا من قدرة أوكرانيا على الصمود في وجه الهجوم الروسي، وصولًا إلى تأثير العقوبات الاقتصادية على روسيا. وشدد على أن تحقيق أي تقدم يتطلب توافقًا بين الأوروبيين والأمريكيين والأوكرانيين لضمان “الأمن الجماعي” والاستقرار الإقليمي. وبحسب مصادر في الإليزيه، فإن الجولة القادمة من المباحثات ستكون حاسمة في تقريب وجهات النظر، مع استمرار العمل على توفير ضمانات أمنية قوية لأوكرانيا بالتوازي مع خطط إعادة الإعمار.
موقف ألمانيا المحذر
في المقابل، أظهر المستشار الألماني فريدريش ميرتس تحفّظًا أكبر تجاه الخطة الأمريكية. أعرب عن شكوكه حول بعض البنود، بما في ذلك التنازل عن أجزاء من دونباس، معتبرًا هذا الأمر نقطة خلافية رئيسية. وأكد ميرتس أن مستقبل أوكرانيا مرتبط بشكل وثيق بمستقبل أوروبا ككل، وأن أي حل يجب أن يمنع روسيا من استئناف الحرب في المستقبل.
وخلال النقاشات المغلقة، أعرب ميرتس عن قلقه بشأن بعض جوانب المقترح، ولكنه أكد في الوقت نفسه على استمرار دعم ألمانيا القوي لأوكرانيا. وأضاف أن أي اتفاق سياسي يجب أن يضمن عدم تمكين روسيا من تهديد الأمن الأوروبي مرة أخرى.
لندن تبحث عن ضمانات قوية
حاول رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الموازنة بين دعم جهود واشنطن والتأكيد على أهمية ضمانات أمنية فعالة لأوكرانيا. وشدد على أن وقف إطلاق النار الدائم يتطلب ضمانات “صلبة” تمنع روسيا من استئناف العمليات العسكرية. وأشاد ستارمر بالجهود الأمريكية، لكنه أشار إلى ضرورة تعزيز الدعم لأوكرانيا وزيادة الضغط الاقتصادي على روسيا.
وبعيدًا عن الاجتماع، أجرى ستارمر محادثات مع حلفاء أوروبيين بحضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حيث تم الاتفاق على ضرورة مواصلة دعم كييف. وتدرس لندن أيضًا إمكانية استخدام الأصول الروسية المجمدة على أراضيها لتقديم قروض جديدة لأوكرانيا، على الرغم من بعض المخاوف التي أثارتها بلجيكا بشأن إمكانية إعادة هذه الأموال إلى روسيا في المستقبل.
الخلافات حول الضمانات الأمنية ومستقبل دونباس
من جانبه، أكد الرئيس زيلينسكي على أهمية وحدة الأوروبيين والأمريكيين لتحقيق تسوية ناجحة. ومع ذلك، أشار إلى أن الخطة الأمريكية تتطلب مزيدًا من النقاش حول “قضايا حساسة”، خاصة فيما يتعلق بمستقبل منطقة دونباس. وتساءل زيلينسكي عن الإجراءات التي ستتخذها الدول الشريكة في حال استأنفت روسيا الحرب.
جاءت هذه التصريحات في أعقاب تعليقات أدلى بها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حيث أعرب عن “إحباطه” من عدم قيام زيلينسكي بمراجعة الاقتراح الأمريكي. كما لمح دونالد ترامب الابن إلى احتمال تخلي الولايات المتحدة عن دعم أوكرانيا إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مع روسيا.
تزامن اجتماع لندن مع فشل محادثات بين واشنطن وموسكو وعدم تحقيق أي تقدم في المحادثات بين كييف وواشنطن. ولا تزال الخلافات قائمة حول الضمانات الأمنية المطلوبة لمنح أوكرانيا الحماية من أي غزو روسي جديد. هناك أيضًا تباين في وجهات النظر حول إمكانية نشر قوات أوروبية داخل الأراضي الأوكرانية كعامل ردع، وهو ما ترفضه روسيا بشكل قاطع. وتشكل هذه القضية تحديًا كبيرًا أمام التوصل إلى حل شامل.
من المتوقع أن تستمر المباحثات بين الأطراف المعنية في الأيام القادمة، مع التركيز على إيجاد حلول مقبولة بشأن الضمانات الأمنية ومستقبل المناطق المتنازع عليها. وستكون ردود فعل روسيا على أي اتفاق محتمل أمرًا بالغ الأهمية، بالإضافة إلى قدرة الدول الغربية على الحفاظ على وحدة الصف في دعمها لأوكرانيا. يبقى الوضع معقدًا وغير مؤكد، ويتطلب مراقبة دقيقة للتطورات الجارية.













