في تطور علمي تاريخي، نجح فريق بحثي دولي في تحديد هوية رفات يعود إلى القرن الثالث عشر، مؤكدًا أنها تعود إلى بيلا أوف ماكسو، دوق هنغاري شاب قُتل في ظروف غامضة عام 1272. هذا الاكتشاف، الذي يعتمد على أحدث تقنيات علم الأنثروبولوجيا الشرعية، يمثل إنجازًا كبيرًا في مجال كشف ألغاز التاريخ القديم.
الدراسة، التي نُشرت في دورية “فورينسك ساينس إنترناشونال: جينتكس”، استخدمت تحليلات الحمض النووي والنظائر المستقرة، بالإضافة إلى الفحوص الشرعية التقليدية، لتحديد هوية الرفات التي عُثر عليها في دير “دومينيكان” بمدينة بودابست. على الرغم من الإشارات التاريخية إلى اغتيال الدوق، ظلت هوية الجثمان مجهولة لعدة قرون.
من كيمياء النظائر لعلوم الجينات
بدأت عملية التحقق بتطبيق تقنيات كيمياء النظائر لتحديد المنطقة الجغرافية التي عاش فيها الدوق، مما ضيق نطاق البحث. ولكن، كان التقدم الحقيقي في استخدام تحليلات الحمض النووي المتقدمة، والتي سمحت للباحثين بتحديد سلالة الدوق وعلاقاته العائلية بدقة.
أظهرت التحاليل وجود آثار طعنات متعددة في مناطق حيوية من الجسم، مما يشير إلى هجوم عنيف. تشير الأدلة إلى أن الدوق لم يكن مستعدًا للهجوم، حيث لم يكن يرتدي أي درع واقٍ، مما يوحي بأنه تعرض لكمين.
بالإضافة إلى ذلك، كشفت التحاليل الجينية عن معلومات مفاجئة حول أصول الدوق، حيث تبين أنه ينحدر من سلالتين ملكيتين بارزتين: سلالة “آرْباد” الهنغارية وسلالة “رووريك” الروسية/النورسية. هذا الاكتشاف يعزز الفهم التاريخي للعلاقات السياسية والعائلية المعقدة في أوروبا الشرقية خلال تلك الفترة.
أهمية علم الأنثروبولوجيا الشرعية في التاريخ
يُعد هذا الاكتشاف دليلًا على القوة المتزايدة للطب الشرعي التاريخي في حل الألغاز التاريخية. فمن خلال تطبيق التقنيات العلمية الحديثة، يمكن للباحثين إعادة بناء الأحداث الماضية بدقة أكبر من أي وقت مضى.
ومع ذلك، يواجه الباحثون تحديات في الحصول على عينات الحمض النووي من الرفات القديمة، حيث قد تكون متدهورة أو ملوثة. لذلك، يتطلب الأمر استخدام تقنيات متطورة لتحليل العينات واستخلاص المعلومات الدقيقة.
كتابة التاريخ من جديد
لا يقتصر تأثير هذا الاكتشاف على حل جريمة تاريخية قديمة، بل يمتد إلى إمكانية إعادة تقييم العديد من الأحداث التاريخية الأخرى التي ظلت غامضة بسبب نقص الأدلة أو تشوهها. علم الآثار الجزيئي يوفر أدوات جديدة لفهم الماضي.
تتوقع الفرق البحثية الآن تطبيق هذه التقنيات على حالات أخرى من الرفات القديمة، بهدف كشف المزيد من الأسرار التاريخية. من المتوقع أن يتم نشر نتائج هذه الدراسات في غضون السنوات القليلة القادمة.
ومع استمرار تطور تقنيات الحمض النووي والذكاء الاصطناعي، من المرجح أن يصبح الكشف عن ألغاز الماضي أكثر شيوعًا، مما يفتح آفاقًا جديدة لفهم تاريخنا.
يبقى التحدي الأكبر هو الحفاظ على الرفات القديمة وتوفير التمويل اللازم لإجراء التحاليل العلمية المعقدة. ستكون المتابعة الدقيقة لهذه التطورات ضرورية لتقييم مدى تأثيرها على مجال التاريخ.













