دأبت منصة “آبل تي في بلس” (Apple TV+) على تقديم أعمال درامية متميزة، وفي ختام عام 2025، تقدم أحدث أعمال الكاتب والمنتج الأميركي فينس غيليغان، مسلسل “بلوريبوس” (Pluribus)، وهو عمل خيال علمي يطرح أسئلة فلسفية عميقة حول طبيعة السعادة والحرية الفردية في عالم يتغير جذريًا. يشارك في بطولة المسلسل ريا سيهورن، إلى جانب ميريام شور وكارولينا فيدرا.
تدور أحداث المسلسل في عالم يشهد تحولًا كبيرًا بعد ظاهرة غامضة قادمة من الفضاء، تؤدي إلى اندماج البشر في وعي جماعي واحد، مما يثير تساؤلات حول مستقبل الإنسانية وهويتها الفردية. يستكشف “بلوريبوس” هذا التحول من خلال قصة كارول ستوركا، وهي شخصية ترفض هذا الاندماج وتسعى للحفاظ على ذاتها في عالم يتجه نحو التوحد.
بلوريبوس بين اليوتوبيا والديستوبيا
يقدم “بلوريبوس” عالماً يقف على مفترق طرق بين المثالية والواقع المظلم. ففي هذا العالم الجديد، تختفي الصراعات الفردية ويحل محلها شعور عام بالسعادة والتناغم، لكن هذا الاندماج لم يشمل عدداً محدوداً من البشر، من بينهم كارول، التي تجسد صراع الفرد في مواجهة الجماعة. يطرح المسلسل سؤالاً محورياً: هل هذا العالم يمثل يوتوبيا حقيقية أم ديستوبيا مقنعة؟
يبدو الواقع الجديد بعد الاندماج وكأنه حلم إنساني طال انتظاره؛ عالم بلا صراعات أو عنف. لكن المسلسل يزرع شكاً جوهرياً حول طبيعة هذا العالم، ويسأل: هل السعادة التي لا تسمح بالاختلاف يمكن اعتبارها سعادة حقيقية؟ غياب الألم والقلق يقابله غياب الاختيار وذوبان الفرد داخل الكل، مما يثير مخاوف فقدان الهوية والحرية الشخصية.
تتعامل كارول مع الاندماج بوصفه سلباً قسرياً للهوية والقدرة على الاختيار، لذلك تحاول استعادة المجتمع إلى حالته الأصلية. في المقابل، يمثل الآخرون موقفا أكثر براغماتية، يرون في العالم الجديد مساحة آمنة خالية من الصراعات. ويرصد المسلسل هذا الانقسام الأخلاقي والفلسفي بين من يؤمن بالحرية الفردية، ومن يرى أن السلام والاستقرار أهم، حتى لو كانا على حساب الذات.
اقرأ أيضا
list of 2 items
end of list
يضع المسلسل المشاهدين أمام خيار صعب: هل هو عالم مثالي أم واقع مرعب؟ هل السعادة الجماعية تستحق التضحية بالفردانية؟ هذه الأسئلة تجعل من “بلوريبوس” عملاً درامياً مثيراً للتفكير، يتجاوز حدود الخيال العلمي التقليدي.
بلوريبوس وعودة لبدايات فينيس غيليغان
يعتبر مسلسل “بلوريبوس” عودة لفينس غيليغان إلى جذوره في الخيال العلمي، حيث بدأ مسيرته المهنية في مسلسل “الملفات إكس” (The X-Files). على الرغم من نجاحه الكبير في مسلسلات الجريمة مثل “بريكنغ باد” (Breaking Bad) و”من الأفضل الاتصال بسول” (Better Call Saul)، إلا أن غيليغان لم يتخل عن اهتمامه بالأسئلة الفلسفية والوجودية التي كانت حاضرة في أعماله الأولى.
يتميز أسلوب غيليغان بالتشكيك في ثنائية الخير والشر، والاهتمام بما يحدث داخل الشخصيات أكثر مما يحدث حولها. في “بلوريبوس”، يواصل غيليغان هذا النهج، لكنه ينقله إلى سياق جديد تماماً، حيث يطرح أسئلة حول معنى الوجود الإنساني في عالم يتجه نحو التوحد. يستكشف المسلسل فكرة الاندماج الجماعي كحل محتمل لمشاكل الإنسانية، لكنه يثير في الوقت نفسه مخاوف بشأن فقدان الهوية والحرية الفردية.
من الناحية البصرية، يعود المسلسل إلى مدينة ألباكيركي، التي كانت خلفية لأحداث “بريكنغ باد” و”من الأفضل الاتصال بسول”. لكن غيليغان يعيد توظيف المكان هذه المرة بروح مختلفة، حيث يعتمد على تصوير المناظر الطبيعية الهادئة في نيو مكسيكو، مما يمنح الصورة إحساساً دائماً بالسكينة. هذا الهدوء البصري يعكس حالة الاندماج والانسجام التي يعيشها العالم بعد التحام البشر داخل وعي واحد.
من المتوقع أن يشهد مسلسل “بلوريبوس” (Pluribus) ردود فعل متباينة من الجمهور والنقاد، نظراً لطبيعته الفلسفية المعقدة. سيراقب المحللون عن كثب أداء المسلسل في الأشهر القادمة، وتقييم مدى قدرته على جذب جمهور واسع. من المرجح أن يتم تجديد المسلسل لموسم ثانٍ إذا حقق نجاحاً كبيراً في جذب المشاهدين.












