أطلقت روسيا بعثة علمية بحرية نحو السواحل الأفريقية بأمر من الرئيس فلاديمير بوتين، بهدف رسم خرائط لمخزونات الأسماك في المنطقة. يأتي هذا التحرك في سياق سعي موسكو لتعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي في أفريقيا، وزيادة إمكانات الصيد الروسي في مياه جديدة، خاصةً مع تزايد العقوبات الغربية المفروضة عليها. وتهدف البعثة المعلنة إلى مساعدة الدول الأفريقية الصديقة، ولكنها تحمل أيضًا أبعادًا استراتيجية تتعلق بتأمين مصادر غذائية جديدة وتوسيع نطاق الوصول إلى الموارد البحرية.
تتألف البعثة من عدة سفن بحثية، ويشارك فيها علماء من روسيا ودول أفريقية. ومن المتوقع أن تستغرق المهمة عدة أشهر، وستركز على المناطق الاقتصادية الخالصة للدول الأفريقية الشريكة. وقد أكد الكرملين أن هذه المبادرة تهدف إلى تعزيز التعاون العلمي والتكنولوجي مع القارة الأفريقية، والمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي المستدام.
توسيع نطاق الصيد الروسي في أفريقيا
تعتبر أفريقيا سوقًا واعدة لروسيا في قطاع المأكولات البحرية، حيث تشهد القارة نموًا سكانيًا واقتصاديًا مطردًا. بالإضافة إلى ذلك، تتمتع العديد من الدول الأفريقية بمخزونات أسماك غنية نسبيًا، ولكنها تعاني من نقص في الموارد والقدرات اللازمة لإدارتها بشكل فعال. وهذا يخلق فرصة لروسيا لتقديم المساعدة التقنية والمالية، وفي المقابل، الحصول على حقوق الصيد في تلك المياه.
وقال جوزيف سيغل، الباحث البارز في جامعة ميريلاند، إن روسيا ترى في أفريقيا فرصة لتوسيع نطاق الصيد الخاص بها، على غرار ما فعلته في السابق مع الذهب والمعادن الأخرى. وأضاف أن موسكو تزيد من اهتمامها بالقارة، وتسعى إلى تأمين الوصول إلى الموارد الطبيعية، بما في ذلك الأسماك.
أهمية قطاع الأسماك لروسيا
يمثل قطاع الأسماك جزءًا هامًا من الاقتصاد الروسي، حيث يوفر فرص عمل ويساهم في تحقيق الإيرادات من العملات الأجنبية. وتسعى روسيا باستمرار إلى تحديث أسطولها من سفن الصيد، والبحث عن مياه جديدة لتعويض النقص في المخزونات السمكية في المياه التقليدية. وتُقدر قيمة تجارة المأكولات البحرية العالمية بأكثر من 160 مليار دولار، ومن المتوقع أن يرتفع الطلب على الأسماك بنسبة كبيرة في السنوات القادمة.
التحديات والفرص في أفريقيا
تواجه أفريقيا العديد من التحديات في قطاع الصيد، بما في ذلك الصيد الجائر، ونقص الرقابة، والتلوث البحري. ووفقًا لتقديرات تحالف الشفافية المالية، تخسر القارة ما يصل إلى 9.4 مليارات دولار سنويًا بسبب الصيد غير القانوني وغير المُبلغ عنه. ومع ذلك، فإن هذه التحديات تخلق أيضًا فرصًا للتعاون مع دول مثل روسيا، التي يمكنها تقديم المساعدة في تطوير البنية التحتية، وتحسين إدارة المصايد، ومكافحة الصيد غير القانوني.
وفي الوقت نفسه، تثير هذه المبادرة مخاوف بشأن استدامة الموارد السمكية في أفريقيا، واحتمال استغلالها من قبل الشركات الروسية. ويؤكد بعض المراقبين على أهمية ضمان أن أي اتفاقيات صيد مستقبلية تحترم حقوق المجتمعات المحلية، وتحافظ على التنوع البيولوجي البحري.
أكد المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أن الشركات الروسية مهتمة بالتعاون في القارة الأفريقية، وأنها ستواصل الاستثمار في هذا المجال. وأضاف أن البعثة العلمية الحالية هي مجرد خطوة أولى في سلسلة من المبادرات التي تهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين روسيا وأفريقيا.
تأتي هذه الجهود الروسية في ظل تزايد التنافس بين القوى العالمية على النفوذ في أفريقيا، حيث تسعى كل من الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى تعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية. ويوفر قطاع المأكولات البحرية فرصة لروسيا لترك بصمتها في القارة، والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
من المتوقع أن تستمر روسيا في تعزيز تعاونها مع الدول الأفريقية في قطاع الصيد، وأن تسعى إلى الحصول على المزيد من الحقوق والامتيازات في هذا المجال. وسيتطلب ذلك جهودًا دبلوماسية مكثفة، واستثمارات كبيرة في البنية التحتية والبحث العلمي. وسيكون من المهم مراقبة التطورات في هذا المجال، وتقييم تأثيرها على استدامة الموارد السمكية في أفريقيا.













